ترامــب .. خطـة مـثـابـرة نحـو برنـامـج عمـل عالـمي جـديـد

Donald-Trump_447459_large(2)
حجم الخط

منذ لحظة دخوله الى البيت الابيض لم يكف ترامب عن مفاجأتنا، وايضا تخييب آمال كل من توقع أن الرئيس الجديد سيسارع الى الاستقامة حسب الخطوط العامة للسياسة الأميركية التقليدية ويقبل بخضوع ما تمليه عليه الوظائف الرفيعة في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع في واشنطن. في نهاية الاسبوع الماضي وقع ترامب على أمر يقيد دخول اللاجئين من سبع دول، الى الولايات المتحدة، وهي الدول التي توجد فيها صراعات وازمات ولم تعد تعمل كدولة: سورية، ليبيا، العراق، الصومال، السودان واليمن. واضاف اليها ايران ايضا. من هذه الدول جاء العدد الاكبر ممن نفذوا العمليات في اوروبا وتركيا والولايات المتحدة ايضا في السنوات الاخيرة.
الامر الذي وقع عليه ترامب وصف من منتقديه ومعارضيه بأنه خطوة ضد المسلمين كونهم مسلمين. ولكن الحقائق مختلفة، هو لا يقيد دخول الزوار من الدول الاسلامية الحليفة أو العربية مثل مصر والسعودية وتركيا. الحديث يدور عن خطوة موضعية تهدف الى عدم الدخول بدون رقابة للمهاجرين من الدول التي فيها وجود مكثف، وسيطرة احيانا، لمنظمات الارهاب الاسلامية المتطرفة التي تحظى بالتأثير والتأييد من قبل اجزاء واسعة من السكان المحليين.
قادة اوروبا ايضا الذين ينتقدون ترامب يقومون بفحص خطوات مشابهة على ضوء الحاجة الى التوازن بين الرغبة في مساعدة ملايين اللاجئين الذين يهربون من المناطق الصعبة، وفي حالات كثيرة يتم طردهم من بيوتهم من قبل زعمائهم أو أحد الاطراف المتحاربة، وبين ضرورة الاعتراف بالعبء الاجتماعي والاقتصادي الذي تسببه موجات الهجرة لدول العالم، موجات اللاجئين تشمل احيانا مؤيدين أو اشخاصا قابلين لتأييد المنظمات الارهابية التي تعمل في الدول التي جاؤوا منها.
يمكن بالطبع الشعور بعدم الراحة تجاه قول ترامب إنه سيمنح الاولوية لطالبي اللجوء المسيحيين القادمين من هذه الدول، نظرا لأن حسب رأيه ابناء الاقلية المسيحية ملاحقون في الشرق الاوسط. أو كما يقول ترامب «الارهابيون قاموا بقطع رؤوس الجميع، لكنهم فعلوا ذلك بالمسيحيين أكثر». ولكن يجب الاعتراف أنه خلافا للباحثين عن اللجوء للمسلمين من الدول المنهارة الذين يمكن أن يجدوا مكانا وملجأ في العالم العربي الذي كله مسلم، فان المسيحيين من الشرق الاوسط هم اقلية هامشية ومعرضون للخطر.
خطوة اخرى يقوم ترامب بدراستها هي اقامة مناطق آمنة في سورية، هذه الخطوة كان يجب أن يتخذها الرئيس اوباما في بداية الازمة في هذه الدولة قبل ست سنوات. الآن ترامب ينوي وضع خطوط حمراء لبشار وبوتين، وهو يزيد من التدخل الأميركي في الازمة السورية. وهذا عمل منهجي للحفاظ على الخطوط الحمراء، الامر الذي سيؤدي الى نتائج دراماتيكية بثمن قليل. بشار الاسد وفلادمير بوتين اضعف كثيرا مما يبدو، لذلك هما سيستسلمان أولا. خطوة كهذه ستعيد للولايات المتحدة مكانتها لدى حلفائها وتمكنها من أن تكون لاعبا ناجعا في الساحة السورية، أو شريكة الى جانب بوتين من اجل وضع الحل الذي يُجيب ايضا على مصالحها ومصالح حلفائها، وليس فقط روسيا وايران.
خطوة اخرى يقوم ترامب بدراستها وهي تقليص الدعم الذي تمنحه الولايات المتحدة لمؤسسات الامم المتحدة التي تعمل بشكل معاكس للسياسة الأميركية. في الساحة الفلسطينية يوجد الكثير من هذه المنظمات التي أعاق عملها ايجاد حل للصراع. ومثال على ذلك وكالة الغوث للاجئين «الاونروا» التي تعنى بالموظفين واصحاب الوظائف الرفيعة، وتبقي على مشكلة اللاجئين بذريعة العمل على حلها.
الحديث يدور عن خطوات أولية تؤكد أنه لا ينوي الانجرار وراء الاحداث، بل فرض برنامج عمل يومي عالمي واقليمي جديد يناسب مواقف الرئيس المنتخب. وهذا يناقض التقديرات التي قالت إن ترامب سيظهر السلبية ويركز على مشاكل الولايات المتحدة الداخلية. والعكس هو الصحيح. خطوات ترامب تؤكد على رغبته في تغيير القرص والابتعاد عن الجمود الذي ميز السياسة الأميركية في عدد من المواضيع الهامة في العقد الاخير. وهذا ايضا للأفضل.