الهجوم الاستباقي ضد "حزب الله".. مُغرٍ ولكن

20150105212754
حجم الخط

بعد الهجوم المنسوب لإسرائيل في سورية، الأسبوع الماضي، قيل إن الهجوم تم القيام به من أجل منع نقل وسائل قتالية متطورة الى أيدي «حزب الله». محللون طرحوا سؤالا حول أهمية الهجوم، حيث إن المنظمة الشيعية لديها، حسب المعلومات المنشورة، أكثر من 100 ألف قذيفة وصاروخ، وكذلك ما هي الفائدة اذا كان الامر كذلك من تدمير بضع عشرات من الصواريخ الأخرى؟ إن تلك نقطة في بحر، اذاً لماذا نتورط في تدهور الأوضاع اذا كانت الفائدة قليلة الى هذه الدرجة؟
تفسير ذلك أعطي من قبل جهات مختلفة، وأساسه هو أن اسرائيل تشغل قوتها الجوية فقط عندما يدور الحديث عن معدات استثنائية، حسب مصادر اجنبية، مثلا معدات دقيقة جدا أكثر من سابقاتها، أو صواريخ بعيدة المدى بشكل خاص أو أي تهديد آخر من شأنه أن يكون مختلفا بصورة جوهرية عن السلاح الذي يتسلح به «حزب الله» بشكل عام (سلاح يكسر التوازن). يمكن الافتراض أنه في حالات كهذه فقط تقوم إسرائيل بكل ما تستطيع لمنع عملية النقل، ولهذا فهي مستعدة للمخاطرة بتلقي رد من منظمة «الإرهاب» اللبنانية.
ترتكز حسابات المخاطرة في الرد على معرفة عميقة استخبارية عن المنظمة وكذلك استنادا لعبر حرب 2006. في أعقاب الثمن الذي دفعه نصر الله فانه حذر جداً لأنه لا يريد العودة الى ما كان حينئذ. إضافة الى ذلك اليوم وضعه أكثر تعقيدا نظرا لتدخل منظمته في الحرب في سورية، ونظراً لأن قواته منقسمة على جبهتين.
لا يستطيع «حزب الله» ترك جهوده الكبيرة في سورية رغم الثمن الذي يدفعه من حياة رجاله وبذله طاقة كبيرة في تلك الجبهة الى الدرجة التي تقلل حرية نشاطه أمام اسرائيل. كل هذا لأن الحفاظ على نظام بشار الأسد هو بالنسبة له مسألة حاسمة. اذا سقطت سورية في أيدي السنة فان «حزب الله» سيقف أمام تحد وجودي، وستكون معاقله في لبنان تحت تهديد هجومي دائم. 
بدون الجبهة الداخلية السورية، التي تخدم احتياجات بناء قوة «حزب الله» لكونها جسرا باتجاه ايران ومصدرا للوسائل القتالية، سيصعب على «حزب الله» الدفاع عما بني على يديه بجهد كبير في لبنان. كما هو مفهوم فان وضعا كهذا بصورة مؤكدة سيمنع التنظيم من أن يتقوى في المستقبل. يحارب «حزب الله» في سورية، لأسباب عدة، من بينها أن مصيره مرتبط بصورة وطيدة بمصير النظام العلوي.
يمكن الافتراض بأن دروس 2006 والحاجة الى الاستثمار في سورية يحرك نصر الله للرد بحذر شديد أو عدم الرد بتاتا عندما ستهاجم إسرائيل سورية. ايضا حتى لو كانت الأهداف تعود الى منظمته. أوضح نصر الله انه سيرد على أي هجمات في لبنان بصورة مختلفة، ولكن في الحادث الوحيد الذي كان في السياق اللبناني (جهاز تنصت، حسب اقوال «حزب الله» كشف في لبنان عندما توجهوا للتعامل معه، انفجر وقتل عددا من أعضاء منظمته) – ردت منظمته بحذر شديد، في القطاع الشرقي لمنحدرات جبل الشيخ.
ايضا عندما تم الادعاء بصورة مكشوفة تقريبا بأن إسرائيل ضربت قادة كبارا من «حزب الله» وإيران في هضبة الجولان رد التنظيم بالدرجة ذاتها من الحذر.

استخدام نادر
في الجانب الثاني يسأل سؤال ليس أقل اهمية: لماذا لا تبادر اسرائيل الى هجوم على «حزب الله»؟ ماذا تنتظر؟ لماذا لا تستغل الضعف المؤقت للمنظمة التي تمتد قواتها على جبهتين من أجل المس بها قبل أن تكون مستعدة بصورة أفضل؟ هذه أسئلة مشروعة.
في الماضي قامت اسرائيل بخطوات كهذه، يسمونها باللغة المهنية (هجوما استباقيا) أي استخدام القوى العسكرية قبل وقت قصير من إنهاء العدو لاستعداداته أو قبل أن يتقوى بصورة فعلية.
الأفضلية في هجوم من هذا النوع واضحة. المفاجأة تمكّن الجيش الإسرائيلي من توجيه قدراته على خلفية استخبارات أفضل قبل أن يغير العدو انتشاره، ويمكن الهجوم من «الإمساك» بالعدو وهو أقل استعداداً والتسبب له بأضرار أكبر مما لو كان مستعداً.
من ناحية عسكرية يغطي الهجوم الاستباقي أفضلية كبيرة. يختار المهاجم زمن الهجوم وأهدافه حسب حاجاته مع القليل جدا من الضغوطات، ومع هذا فإن الهجمات الوقائية نادرة في الساحة الدولية.
شنت اسرائيل طوال تاريخها فقط مرتين حرباً استباقية. في سنة 1956 شنت عملية قادش مستغلةً الظروف الخاصة التي وجدت، مع رغبة بريطانيا وفرنسا في اسقاط الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ونظراً الى أن القيادة العامة خاصة موشيه ديان خافوا من أن تتقوى مصر في أعقاب صفقة السلاح الكبرى التي وقعتها مع تشيكوسلوفاكيا. 
المرة الثانية كانت في العام 1982 عندما شنت إسرائيل حربا ضد منظمة التحرير في لبنان (عملية سلامة الجليل) من أجل أن تمنعها من التقوي هناك إلى درجة جر كل الدول العربية لحرب شاملة ضد إسرائيل. من أجل شن الحرب استغلت إسرائيل عملية «تخريبية» أصيب فيها سفير إسرائيل في لندن ،شلومو أرغوف، وهي عملية لم يكن لها أي علاقة بلبنان.
ولكن للهجوم الاستباقي ثمنا باهظا جدا، ليس في المجال العسكري بالتحديد. في العالم المعاصر، وبالتأكيد في هذه الايام حيث إن مقاربة قادة العالم للعمليات العسكرية هي أنها عندما لا تكون ردا على استفزاز وبدون سبب واضح هي معارضة تامة، يمكن الافتراض أن المنظومة الدولية ستتقبل بصورة صعبة جداً حرباً مبادرا إليها في لبنان –بالتأكيد بدون أي مبرر ظاهر للعيان.
حرب كهذه ستكون طويلة وصعبة، ويُتوقع أن تعاني إسرائيل طوال شهور من إطلاق صواريخ. في تلك الشهور سيعمل سلاح الجو بصورة مكثفة في كل أرجاء لبنان، وستحارب القوات البرية للجيش الإسرائيلي داخل لبنان. وسيُقتل عدد لا بأس به من الإسرائيليين جنوداً ومدنيين، وكذلك عدد كبير جداً من اللبنانيين، بينهم آلاف المدنيين- نتيجة أن «حزب الله» نشر صواريخه بين السكان المدنيين (يدور الحديث عن عشرات آلاف الصواريخ). أيضاً العديد والكثير من المباني الموجود تحتها صواريخ ستدمر، وسيكون الدمار البادي للعيان كبيراً، ولن يستطيع المجتمع الدولي تجاهل ذلك، وستوجه أصابع الاتهام والغضب تجاه اسرائيل.
الحقيقة هي أنه من الصعب أن نرى كيف أن عملية كهذه ستحظى بالتبرير والموافقة أيضاً من جهة مواطني إسرائيل، أولئك الذين سيكونون تحت وابل الصواريخ، ولكن أيضاً إذا أبدوا صموداً فإن الضغط المشوش سيأتي من جانب المجتمع الدولي. لن يسمع المجتمع الدولي لإسرائيل بإدارة عملية عسكرية لفترة زمنية طويلة.
ولهذا فإن من يفهم قوة الرد العالمي على عملية إسرائيلية استباقية، يفهم لماذا أن هذا الخيار يجب المحافظة عليه واستخدامه بصورة نادرة جداً. هنالك إغراء لشن عملية استباقية في لبنان، ولكن يجب عدم التسرع في تطبيق ذلك.

 عن «إسرائيل اليوم»