حتى لا يُفلت قتلة الصحافيين الفلسطينيين من العقاب

38_16_14_2_9_20123
حجم الخط
يصادف غداً الأحد اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهو اليوم الذي يُحيي فيه العالم هذه المناسبة للتأكيد أولاً على حرية الرأي والتعبير وضرورة الإسهام في أن تكون وسائل الإعلام رافعةً حقيقيةً لبناء المجتمعات، وثانياً الدفاع عن العاملين في قطاع الإعلام وسلامة أمنهم وحياتهم والدفاع أيضاً عن وسائل الإعلام أمام الهجمات التي تشن عليها.
ولعلّ فلسطين هي من أكثر الدول معاناةً في مجال الحريات الصحافية، خاصةً في ظل احتلال استيطاني لم يتوانَ يوماً عن استخدام أشكال العنف المختلفة لإرهاب الصحافيين الفلسطينيين.
العام الماضي ما زال شاهداً على دموية الاحتلال الذي قتل 17 صحافياً فلسطينياً خلال العدوان على غزة، دون مبرر بل فقط لأنهم صحافيون، ولا ننسى التصريح الشهير لسكرتير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي صرّح بأن الصحافيين الفلسطينيين هدف مشروع! بمعنى آخر جواز قتلهم.
انتهاكات الاحتلال في هذا المجال ربما كانت أكبر بكثير مما يتصوّر البعض، وهي متواصلةٌ لم تتوقف، بل ازدادت عنفاً وهمجيةً في السنوات الأخيرة، ففي العدوان الأخير على سبيل المثال لا الحصر، استشهد العديد من الصحافيين الفلسطينيين وهم يقومون بواجبهم المهني، ليقدموا أرواحهم على مذبح حرية الصحافة في قطاع غزة، في ما أصيب أكثر من ثلاثين صحافياً، بعضهم أصيب بإعاقة دائمة... إضافةً إلى أن الدمار طال أكثر من 20 منزلاً تعود لصحافيين خلال العدوان.
في الضفة الغربية والقدس المحتلة أصيب عشرات الصحافيين خلال العام الماضي، منهم من كانت إصاباتهم خطيرة، بل في كثير من الأحيان تعمّد جنودُ الاحتلال توجيه رصاصهم وقنابلهم الغازية مباشرةً إلى أجساد الصحافيين لإحداث أكبر إصابة ممكنة، رغم علمهم المسبق بأن الصحافيين يرتدون الزيّ الخاص بهم ويضعون الشارات التي تعرّف بطبيعة مهنتهم.
في سجون الاحتلال يقبع اليوم 14 صحافياً وإعلامياً فلسطينياً، بعضُهم جاء اعتقالُه على خلفية عمله في مجال الإعلام والصحافة.
ولعلّ الاعتداءات المتكررة بشكل خاص على الصحافيين الفلسطينيين في القدس المحتلة ومنعهم من التغطية وفرض عقوبات عليهم تأتي في ظل سياسة تهويد شاملة للعاصمة الفلسطينية. ولكن من أهم المعيقات التي تضعها سلطاتُ الاحتلال أمام الصحافيين الفلسطينيين تحديد حرية حركتهم، بل منعهم في كثير من الأحيان من التنقل والوصول إلى مواقع الأحداث، وعدم اعترافها بالمطلق بالبطاقات الصادرة عن نقابة الصحافيين الفلسطينيين وحتى تلك الصادرة عن الاتحاد الدولي للصحافيين.
منع الحركة يشمل التنقل من وإلى قطاع غزة إضافة إلى القدس المحتلة، وثمة عدد من الصحافيين ممنوع من السفر إلى خارج البلاد.
سلطات الاحتلال بممارساتها القمعية بحق الصحافيين الفلسطينيين تعمل لقتل فكرة نقل المعلومات بشكل مهني وموضوعي، من أجل عدم تشكيل رأي عام محلي أو إقليمي أو دولي ضد سياساتها العنصرية واعتداءاتها بحق الشعب الفلسطيني وأرضه وموارده.
ولكن في اليوم العالمي لحرية الصحافة، حيث تؤكد المؤسسات الدولية والأممية والعاملة في مجال حقوق الصحافيين أو المؤسسات القانونية الدولية ضرورة ألا يفلت القتلة من العقاب، نلاحظ أن هذا المبدأ لم يطبق بالمطلق على الأوضاع في فلسطين. عشرات الصحافيين قتلوا والمئات أصيبوا أو اعتقلوا، إلاّ أن المؤسسات الدولية التي تُعنى بهذا المجال، لم تقم بإجراءات عملية على أرض الواقع لتكون رادعة لقادة الاحتلال ومجبرة لهم على وقف اعتداءاتهم الممنهجة بحق الصحافيين الفلسطينيين.
ثلاث حروب طالت قطاع غزة سقط فيها عشرات الصحافيين بقذائف الاحتلال، لكن كل الذين تسببوا بقتل هؤلاء الأبرياء أفلتوا حتى الآن من العقاب، ولم تُتخذ خطواتٌ فاعلة من أجل ملاحقتهم قضائياً حتى في الدول التي تؤكد وترعى مفاهيم حرية الإعلام والصحافة.
هذا اليوم مناسبة للتأكيد من جديد على ضرورة ألا يُفلت قتلةُ الصحافيين الفلسطينيين في غزة من العقاب، خاصةً أن هناك أدلّة ووثائق وبينات وحقائق جمعتها مؤسسات حقوقية، يمكن من خلالها تقديم لوائح اتهام في محاكم أوروبية أو دولية لمعاقبة ومحاسبة كل من تسبب في قتل أو إصابة صحافيين فلسطينيين.
أما على الصعيد المحلي، فما زال الانقسامُ أحدَ أخطر الأمور التي تؤثر على الصحافيين، وما يتم من احتجاز أو استجواب البعض منهم أو مصادرة معداتهم، أو تكميم الأفواه... منافٍ لحرية الرأي والتعبير التي كفلها القانون الأساسي والتي أكد عليها الرئيس في كثير من المناسبات. يجب محاسبةُ كل من يعتدي على الصحافيين أو يحدّ من حريتهم في الضفة الغربية أو قطاع غزة حتى نخلق بيئةً حاضنة لصحافة حرة ديمقراطية مهنية.
ملاحظة أخيرة: بهذه المناسبة، يجب على المؤسسات الحقوقية أن تتحرك سريعاً وبجدية من أجل إعادة فتح المؤسسات الإعلامية التي أغلقتها حركة حماس عقب انقلابها في قطاع غزة، وإعادة المعدات التي صودرت أو نُهبت، كخطوة حقيقية من أجل دفع قطاع الإعلام الفلسطيني إلى الأمام.
ولا يسعنا في هذه المناسبة إلاّ أن نترحّم على أرواح شهداء الإعلام الفلسطيني وندعو للجرحى بالشفاء العاجل وللأسرى بالإفراج.