خرافـــات ألفية الجهالات

توفيق أبو شومر
حجم الخط

تُجرِي بعض مواقع التواصل الاجتماعي العربية اختباراتٍ وامتحانات للأطفال والناشئين، ليس لغرض تنمية قدراتهم العقلية، وتوسيع كفاءة عواطفهم، وحبهم لوطنهم وشعبهم، بل لغرض منحهم شهادات في الجهالات.
 هذه الشهادات، شهادات الجهالات، هي اليوم مصدر الدخل الوحيد للفقراء والمحتاجين، وللنشْء اليائسين من مصاعب الحياة، ممن يفضلون اللجوء إلى هؤلاء الجاهلين لغرض كسب المال، بلا أعمال، أو نضال.
هذه الاختبارات تجري وفق برنامجٍ تجهيليٍ شعبوي، للأسف، فإنها تحظى بنسبٍ عالية من المتابعات، وتجتذب الأطفال بخاصة، ممن لم تنضج أفكارهم.
هؤلاء المهرطقون بارعون في نصب الشباك لصيد الأطفال، لغرض الإشراف على تنشئتهم وإعدادهم لحرب هدفها، توسيع رقعة الجهالات، هذه الحربُ تجري بالفعل الآن، لعلَّ أبرز نتائجها تتلخص في استبعاد التنوير العقلي، وتفريغ الأوطان من ثقافاتها التوعوية، لترويج صناعة صكِّ الجهالة، المتمثلة في فنون القتل، والذبح، والحرق، وسبي النساء، واغتصابهن، ونحت مسوغات الجهالات، واختلاق القصص الخيالية، وإلباسها عباءات الدين، هذه كلُّها علاماتٌ فارقة على اضمحلال عصر العقول النيرة، والعواطف الجيَّاشة. إن اختبارات الجهالات تتنوع، وتتوزع، وتتعدد، وتتمدد في شبكة الإنترنت، التي كان مفروضا أن تكون شبكة العقول النيِّرة، وتوزيع الثقافات التوعوية، هذا يُثير الاستغراب، فكيف يستخدم المهرطقون أحدث تكنولوجيا العصر، بمهارة فائقة، وهم، في الوقتِ نفسِه، ينكرونها، ويرجمون مكتشفيها بوابل من حجارة الفتاوى المُضلِّلة، ويخرجون مهندسيها من رحمة السماء.
والأغرب، أن مالكي الشبكة، لا يحجبون مواقع تدريب النشء على اغتيال العقول، ولا يمنعون المهرطقين من اغتيال عقول أبنائنا، بل يعززونها، ويدعمون ناشري التُّرَّهات، فهي مصدر دخلهم الإعلاني! إذن، فالأمر جِدُّ خطير، هناك  تنسيقٌ غير منظور بين مالكي الشبكة، وبين مهرطقيها، بل إن مالكي الشبكة، هم مؤسسو الجهالات، وناشرو فايروسات العقول المستنيرة. فهم يراهنون على احتكار الإبداعات العقلية، ومنع الآخرين من ركوب موجتها، فهم لا يتمكنون من الاحتفاظ بالريادة، وإبقاء الاحتكار الأزلي لهم، إلا باحتضان مواقع التجهيل، ونشر امتحانات الجهالات، لإيقاف عمل العقول المنتجة للإبداعات.
إليكم ثلاثة نماذج مما يُنشر في باب أسئلة الجهالات للأطفال، مع العلم أن هناك جوائز تُرصد للمتفوقين في الجهالات والهرطقات.
السؤال الأول: ما اسم النملةِ التي كلَّمتْ سيدنا سليمان؟ السؤال الثاني: ما نوع الدابة الغريبة التي تخرج في آخر الزمان؟ السؤال الثالث: هل مات الحوتُ الذي ابتلع سيدنا يونس؟
إليكم إجابة السؤال الأول: اسم النملة التي كلَّمتْ سيدنا سليمان، جَرْسا.
أما عن موطنها، فهي مِن نمل الطائف بالسعودية، من قبيلة صيصبان (النملية)!!
حجمها كحجم الذئب، فيها علامة مُمَيَّزَة، وهي أنها عرجاء!!
أما إجابة السؤال الثاني: أشهرُ وأغرب الدواب: هي دابة، على صورة بغل، له ريش، وزغب، وحافر، ولحية، تخرج في آخر الزمان عندما يشيع الفساد، تُكلم الناس، وتَعِظُهم!!
أما إجابة السؤال الثالث: ما يزال حوت يونس حيَّا إلى يوم يُبعثون، يعيشُ في البحار البعيدة، لا يأكل ما تأكله الأسماك.
هذا غيضٌ من فيضٍ، تزخر به شبكات الجهالات العربية، وتحظى بمتابعةٍ وتشجيعٍ برعايةٍ من جهاتٍ ومؤسسات كبيرة في عصر العولمة، عصر ألفية التكنولوجيا!!