أنوار غزة والنفوس المنحنية؟

thumbgen (15)
حجم الخط
 

كيف لنا أن نفهم سكوت حركة فتح على فروق المعيشة الفاضحة بين غزة والضفة؟ والتي ستجعل في العقل الجمعي جروحا لا تندمل مهما بررنا، ومهما استخدمنا كثير حجج وذرائع، فيها من المحق الكثير؟

كيف أطلب من الشعب أن يواصل النضال وهو لا يرى من قيادته إلا القلة من يهتم بأمره أو يسمع شكواه وأنينه ... أو يحس ببرده وزفيره؟

يرى الناس ترف الفصائل الفكري، وترفها المعيشي فيما هي تناضل عبر الفضائيات مرتاحة باذخة! تطلق الشعارات حيث لا حسيب ولارقيب!

وحين تريد مقايضة مطالبها بمقابل تخرج على حركة فتح لتشتم وتلعن بل وتحرق الصور! وﻻ يجد أبناء فتح إﻻ اﻻستنكار، ويتجرعون سُم الصمت مرغمين .. وبذلك يقعون فريسة واقع محبط ومؤلم...في غزة تحديدا.

إن ما يحدث في غزة جريمة في حق النضال الفلسطيني وجريمة بحق القضية، وجريمة بحق شعبنا في غزة كان أول من اقترفها عصابات "حماس" عندما شرعنوا الدم وسيلة لحل المشاكل وما يزالون!

وعندما انسحبت حركة فتح في إطار القانون الذي يمنعها من قتال الأخ فتراجعت درجات عن إنقاذ كوادرها بل وتخلت عنهم وتراجعت عن مد اليد لتتركهم وحيدين يواجهون حصار العالم وعسف سلطة مليشيات "حماس".

وحدهم في غزة الإباء يواجهون جدران الحزن العميق والليالي المظلمة وبؤس تتالي اللحظات، ووحدهم يئنون ويبكون ويصرخون ونحن الذين لسنا بعيدين جغرافيا عنهم لا نشعر ولا نحس! ونقول أننا شعب واحد!

ينظر الفتحويون في غزة خاصة الى حركتهم العظيمة بكل فخر من جهة، ومن جهة أخرى يشعرون بالتكبيل والعجز والقهر .. فالتراكمات تضعف اﻻستقطاب والعزيمة، وﻻ يجدون متنفسا إﻻ في تحرك جماهيري في ظروف مختلفة، وتستمر الحكومة في الدفاع عن حضورها ولكن على أرض الواقع ﻻ تشعر الغالبية إﻻ بنار الانقلاب واﻻنقسام وويلاته.

في غزة يروننا -نحن القيادات-وحدانا وزرافات نتنقل بسهولة وكثافة ما بين بيت حانون والجسر وطيرانا نحو اللامفهوم، وتضاء الأنوار وننعم بما يفتقدون، ولا نقدم لهم ولا من أجل الأرض المنهوبة بالمستوطنات إلا أقل القليل! فلا اشتعال للأرض إلا بمقدار ما يستفيد منها الفصيل "س" أو الفصيل "ص" سيان!

ونقول أننا نحقق الانتصارات في الشمال أو الجنوب من فلسطين، وفي الحقيقة تلاحقنا الإخفاقات؟ فلا يد ممدودة ولا مستوطنة أزيلت، ولا أسير أطلق، أو جثمان تحرر بسهولة، ولا غزة تحررت، ولا القدس تعربت، ولا فقير ومعوز في غزة أو الضفة تاب عن الدعاء علينا، ولا مصالحة "ماراثونية" تحققت!

الرحلات السياحية ل"غرض المصالحة" كما يقولون تتوالى! ولا تجد لها متسعا ليحط الظعن في قافلة المصالحة رحالهم في غزة أو رام الله أو الخليل! أو حتى في قرية بيتا المحاصرة قرب نابلس بالمكعبات مؤخرا!

فهلّا يغلقون على أنفسهم الأبواب لأيام ثلاثة فقط، فإما يخرجون باسمين، أومقطبين الجبين وكتيبة عمر بن الخطاب تنتظرهم بالخارج والأسياف مرفوعة إن لم يتفقوا؟

يكذبون على أنفسهم عندما يدعون للكفاح المسلح -ويتبجحون بالانتفاضة أو الهبة أو الغضبة التي اشتعلت رغما عنهم جميعا وبأيدي الشبيبة البطلة- ويتحججون بالسلطة، فمتى كان الثائر يفترض الأرض أمامه مفروشه بالورود لكي يقاوم؟ شاهت الوجوه.

على الجانب الآخر يطالبون بالمقاومة الشعبية وهو مطلب حق، ولكن الحق ليصبح واقعا يحتاج لوقود يشعله، ونحن صرفنا الوقود خارج نطاق منطقة الاشتعال الحقيقية وهي الأرض وحُرّاثها، ووجهنا الأنظار والمشاعل نحو ذوي النفوس المنحنية، نحو البعيد حيث الأمم المتحدة وأوربا ظانين بهم المخلّص أو المسيح المنتظر.

في الأولى تستغل "حماس" إرث النضال الفلسطيني والفتحوي ليس لاستمرار المعركة ضد العدو وإنما لمناكفة حركة فتح بالضفة! فهي لا تعبأ إلا باسقاط "سلطة فتح"-كما تسميها، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

وفي الثانية تترك حركة فتح شأن غزة للحكومة، والحكومة تعلن تبرؤها من قيادة فتح، ولا قرار للحركة عليها، فتواجه الحكومة مشاكل غزة بما يزيل الحرج ويهدئ الخواطر فقط وضمن بند الهوامش، وبما لا يداوي الجراح المفتوحة أبدا أو يدخل المريض لغرفة العناية المكثفة.

وهكذا تكتفي قيادتنا قيادة شعبنا قيادة حركة فتح بسحب يدها من الملف!عمليا.

وتكتفي الحكومة بالدفاع عن قرار هزيل هنا وقرار هناك! وتنعم "حماس" بحكم غزة تحت وطأة عصا السلطة من جهة وتحت وطأة عصا الدين من جهة أخرى،في قسمة ضيزى!

أم ترون العدل يتجلى كما تتجلى العذراء في ليل راهب متبتل! أكاد أجزم أن مقدار الغضب لشعبنا في غزة صاحب النفوس المصلوبة ضد فتنة "حماس" يفوق مقدار غضبه من الاسرائيلي. ما هو مؤشر خطر وليس مؤشر صحة.

علميا ومن عديد الاستطلاعات فقدت الفصائل عامة بما فيها حركة "فتح" و"حماس" و"الشعبية" وغيرها وهج الوجه النضالي والوحدوي والجماهيري الذي كان يميزها، فسِمة الاستغلال أو الترقب أو المصلحية والحزبية أصبحت طاغية عليها، وتنذر بخطر الابتعاد للجماهير عنا جميعا، فهل يصل بالجماهير الحد يوما للكفر بنا؟

هل لنا أن نلقي غزة بالظلام والفاقة والحرج والتيه وتقطّع الأنفاس والدعوات علينا وعلى خصومنا ونظن أننا العمود الفقري وأننا أول الرصاص؟ أو أننا ما زلنا مهبط الأفئدة؟

لنُزح عنا غمامة الكِبر والعُجب بالنفس، ولنتواضع كثيرا أمام شبابنا وأطفالنا وشعبنا والقوارير!

هل يا ترى تستطيع "حماس" أن تعيد بناء النفسية الفلسطينية الثائرة المناضلة الأبية وهي تقمع الشعب يوميا؟ في نضاليته الطاغية، وفي لقمة عيشه وفي مداخله ومخارجه؟وفيما لا تقصر فيه مع شقيقتها الحكومة في رام الله تحت عنوان الاعتقالات على خلفية اجتماعية أو سياسية او فكرية؟

لا يا أخي لست من المؤمنين بالأشخاص أبدا.

ولا أرى الشخص إلا عندما يضع فوق رأسه الحق الأبلج ممثلا بالفكرة وبفلسطين، وما سوى ذلك هباء وما سوى ذلك نقيصة، ولا أرى منك إلا سلوكك وعملك لا كلامك وثرثرتك على الفضائيات!

الشخص إن لم يكن قيما وفكرا ومبادئ (وانك لعلى خلق عظيم) وسلوكا فلا أراه إلا يسير في دوائر، وهل المطلوب منا كي لا نُغضب السلطان، أو جنوده اللاهثين وراء مصالحهم الأنانية الذين يلفّون الحبل حول عنقه، هل المطلوب أن نصفق لهم أم ننصب لهم المشانق؟

لا هذه ولا تلك، فالمطلوب هو أن نقوّم أنفسنا أولا ونراجعها، لعلنا أخطأنا، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون كما قال لنا خير البرية، لا بد أننا أخطأنا نعم، ثم نقوّمهم ونراجعهم ونغيّرهم، ففلسطين تسبق الرجال وتظل بعد رحيلهم عفيّة خالدة، والفكرة أكبر من القامات القصيرة أو القامات المتطاولة على أسيادها، أي على الشعب.

سيدي الشعب

لك أنت أنحني لأن فلسطين بك تعلو وبك تزهو وبك تنمو.

أما بنزق المتآمرين أو ارتزاق الانتهازيين أو عمى التنابل فهي بأمثال هؤلاء تفقد بريقها وألقها ويدير العالم لنا ظهره، هذا الظهر المثقل بكثير مشاكل ما نحن فيها بأولوية أبدا.

لا يا سيدي الشعب

لست قاصرا ولست جبانا، وما كنت يا شعبنا في غزة، ويا شعبنا في الضفة، وفي الداخل، وفي الشتات، ما كنت إلا منارة عاليه وشموخا لا مثيل له يتجلى بالشهداء والأسرى والجرحي والثائرين أبدا ضد الاحتلال البغيض أولا، وضد الظلم وضد الاستبداد، وضد الفوارق والنمارق وضد قطاع الطرق والفاسدين. هل سيسامحنا الله سبحانه وتعالى وكثير من قادتنا يرفعون علم الله كذبا ودجلا، أو يرفعون علم الوطن كذبا وتدليسا؟ هم لا يرفعون من الأعلام إلا بمقدار سخونة المقعد تحت أقفيتهم؟ ونحن عنهم ساكتون؟ صمٌّ بكم عمي.

أم سيسامحنا الله عن استهبال أو استغفال أو استسخاف الناس ظانين بهم الغفلة والانسياق ومعتقدين أننا ملكنا منهم الألباب والرقاب؟

لا يا سادة... فالحساب عسير في الدنيا، والآخرة.

أنت الرافض أبدا لأولئك من ذوي النفوس المنحية حتى وصل رأسهم المطأطيء الى القدم،الذين اتخذوا من مقاعدهم بالسلطة هنا في غزة وهناك ، أي ليس بعيد عن بيتي، اتخذوها زوجة أو أسِرّة تقوم معهم وتنام بهم، وظنوا أنهم عنوان فلسطين وفلسطين تعرف بهم؟ خسئوا وما صدقوا أبدا.

مثل هؤلاء ما فقهوا، ولا فهموا مقولة الخالد فينا أبدا ياسر عرفات: أن هذا الشعب يسبق قياداته ويتفوق عليها، وبه ستظل الثورة مشتعلة حتى النصر باذن الله تعالي.

هل تستيقظون أم يتخطفكم المسّ؟ أم ترانا ننام على ريش نعام وحرير أنغام ؟ حتى نجد كل نوافذنا تطل غدا على المستوطنات التي تغزو جسدنا المهلهل ونفوسنا العليلة وعقولنا التي شوهتموها؟