ترامبيون وداعشيون.. يا الله ماذا نفعل؟

thumbgen (16)
حجم الخط
 

قالت مادلين أولبرايت ذات الجذور اليهودية إنها تعتزم إعلان إسلامها، ردا على خطة الرئيس الأمريكى الجديد ترامب بوقف تدفق اللاجئين من البلدان العربية.

قد تقول إن أولبرايت ديمقراطية كما أوباما وهيلارى كلينتون، وإن الديمقراطيين الأمريكيين ضد ترامب ويستعملون كل الأسلحة ضده. وقد تقول أيضا إن أولبرايت نفسها، وقتما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية، لم تنصف عربا ولا مسلمين، لكنى أقول لك إن أولبرايت

بإعلان إمكان إشهار إسلامها أوضحت أنها تمتلك خيارا، حتى لو كان شخصيا، فى مواجهة جموح وعنصرية ترامب، فما خيار الذى هو مسلم أصلا فى مواجهة إجراءات ترامب سوى أن يتطرف، ولن نقول إنه بات عليه أن يبدل دينه؟

دع أولبرايت تفعل ما تريد وليفعل ترامب ما يريد، فهما فى النهاية يتجاذبان بشأن أمريكا ومن أجل أمريكا، إنما يتوجب عليك أن تتوقف كثيرا أمام بعض أصوات مصرية، لم يمض على ترامب سوى أيام قليلة فى حكمه حتى صاروا «ترامبيين»، لكنهم فى الحقيقة طائفيون حتى النخاع.

يدَّعى هؤلاء أن استثناء ترامب المسيحيين العرب، ومنهم المصريون بالطبع، من إجراءات العقاب الجماعى بحق شعوب 7 دول عربية ومسلمة ومنعهم من دخول أمريكا، ليس استثناء للمسيحيين العرب، إنما تصحيح لسياسات أوباما المنحازة للإسلام والمسلمين، وأن المسلم

المعتدل مجرد أسطورة.

لا أعرف انحيازا لأوباما للإسلام والمسلمين، وكل ما أعرفه وتعرفه أيضا أن سياسات أوباما لم تترك بلدا عربيا مسلما إلا دمرته وجعلته ساحة للفوضى والقتل والخراب، حتى باتت الأرض لا تصلح وطنا أو ديارا.

ويمكنك تصديق أن أوباما انحاز للمسلمين، وأن ترامب جاء لنصرة المسيحيين، لكنك إن شئت منطقا سليما لقلت إن الاثنين قسمانا ويقسماننا، فلماذا يمتطى بَعضُنَا ما يقوله ويفعله ترامب ليعاملنا بقواعد التقسيم الطائفى؟

الطائفية عديمة الوطنية، والطائفيون كذلك، وهم يتجاهلون حقيقة السياسات الغربية عموما تجاه بلادنا أو يجهلونها، لكنهم يستثمرونها فى تكريس النزعات الطائفية بيننا.

منذ القدم والسياسات الغربية لا تعرفنا أوطانا وتقسمنا طوائف وأعراقا، فهذا مسلم وهذا مسيحى، وهذا سنى وهذا شيعى، وهذا كردى وهذا عربى، وهذا جنوبى وهذا شمالى، فما الذى يفعله الطائفى المصرى والعربى سوى أن يكون ترسا فى سياسات تقسيم وتمزيق الأوطان؟

لا تلتفت كثيرا لكذب الطائفيين من نوع أن المسلم المعتدل أسطورة، أو أن المسلم بفطرته داعشى. ربما يؤلمك افتراء من هذا النوع. ربما يؤلمك أكثر أن يصدر مثل هذا من مصرى مثلك تماما، لكن خذ بالك مما يحاول الطائفيون أو الترامبيون المصريون إرساءه فى واقعنا. معادلة من شقين:

كل مسلم داعشى بالضرورة، ويستحق القهر والنبذ المحلى والدولى، وكل مسيحى تحت الحماية الأمريكية المباشرة.

ربما تكون قد صدقت أن ترامب أفضل لك من أوباما. ربما تعتقد أن ترامب ألعن، أو أنه لا فرق فى الاستجارة من الرمضاء بالنار، إنما القول الجد: ماذا تفعل إزاء مثل هذه المعادلة، التى يحاولون إرساءها فى واقعك؟

مع أوباما، نجحت كمصرى أن تخرج سالما بقدر كبير من حرب تمزيق الأوطان وانهيار الدول والمجتمعات. تبقى لك أن تنجح أو أن تنجو من الحرب بالأديان، التى يخوضها ترامب وأتباعه من طائفيين مصريين، فكيف تضمن نجاحا فائقا؟

أقول لك بمنتهى الوضوح والصراحة: لا يكفيك أن تقول مرة أخرى لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين. قل بحسم قاطع: لا أزهر فى السياسة ولا كنيسة فى السياسة. لا سياسة فى الأزهر، ولا سياسة فى الكنيسة. عُد بالأزهر إلى وضعه الطبيعى كمسجد وجامعة. بالمثل الكنيسة للصلاة والإرشاد الروحى فقط لا غير. أقِم دستورك الوطنى على قواعد الدولة الوطنية الحديثة. لا مركز دستوريا حصينا كما هو حاصل فى دستورنا الحالى للأزهر والكنيسة. لا طوائف ولا رعايا هنا، إنما مواطنون يستحقون أن يُرسى الدستور كل ما يؤكد مواطنتهم لا ديانتهم أو مؤسساتهم الطائفية، ولن نقول أبدا إنها دينية. لا جمعيات أو مراكز طائفية هنا، حتى لو تغطت بدورها الاجتماعى، بل مؤسسات وطنية تخضع للدستور والقانون الوطنى. لا نحتاج بالمرة أن نشكو تعبنا من إمام أو بابا. نحتاج إلى دولة وطنية حديثة قادرة على ردع الطائفية فى داخلها، فتحمى نفسها مما يأتى من خارجها.

إن بادرنا الآن نجونا فنجحنا، أما لو تأخرنا أو تباطأنا كعادتنا فلا حول ولا قوة إلا بالله. به نستعين على شرور ترامب وأتباعه من ترامبيين مصريين أو طائفيين لا فرق. ولله الأمر من قبل ومن بعد، ونحن له من الشاكرين.