المونيتور العبري :نتنياهو يمنح غزة الأمل

e7e34ceb4a9f7867e7c45b7756f43450
حجم الخط

ببطء وهدوء وبالخفاء؛ أتمت إسرائيل في الفترة الأخيرة دورة حضانة كاملة في كل ما يتعلق بعلاقتها مع حماس، نتنياهو ذاته الذي صرح عشية عملية "الرصاص المصبوب" (يناير 2009) بأنه سيقوض حكم حماس في غزة؛ أصبح في السنوات الأخيرة الحصن الحصين لذات الحكم حقيقة، نتنياهو ويعلون يبسطون هذه السياسة بسبب حسابات سياسية داخلية، والصحيح ان الحصار على غزة لم يعد قائمًا تقريبًا.

تجري إسرائيل اتصالات غير مباشرة منتظمة مع حماس، ولا تنوي العمل على استبدالها؛ بل العكس فهي تصلي من أجل استقرار نظام الحكم في غزة، ووفق العديد من التقارير فإنها تجري مفاوضات غير مباشرة بوساطة قطرية حول ترتيب طويل المدى للوضع في غزة، بما في ذلك تهدئة لخمس سنوات أو ربما أكثر.

هذ التحول بدأ في المستويات الميدانية الإسرائيلية، بدءًا من عند الضباط والخبراء الذين يربطون بين المنطقة الفلسطينية، سيما غزة، وبين المستوى السياسي الإسرائيلي، الحقيقة انه وبعد "الجرف الصامد" (أغسطس 2014) والتي تسببت بأضرار كبيرة للاقتصاد في غزة، وتسببت بسقوط آلاف القتلى وعشرات آلاف المصابين ومئات الآلاف الذين أصبحوا دون مأوى؛ لم يحتج الغزيون بأي شكل ضد سلطة حماس، فأسقط في يد إسرائيل.

"فهمت" قال لي مسؤول عسكري في الفترة الأخيرة "ان حماس موجودة لتبقى هنا، حتى وإن دخل الجيش الاسرائيلي الى غزة وأسقط حكم حماس فلن يتغير شيء، فسوف يعودون عندما نخرج، ليس من السهل ان تسلم بهذه الحقيقة" اعترف المسؤول، "ولكن من المهم ان تعرف ان هذه هي حقيقة الوضع، وإذا كان الأمر كذلك فإن علينا ان نستخلص منه أفضل ما فيه".

حسب التشريح الإسرائيلي؛ الجماهير في غزة يترجمون عملية "الجرف الصامد" بأنها جهد بطولي من قبل حماس في القتال من أجل رفاه المواطن الفلسطيني ومن أجل رفع الحصار وتوفير فرص العمل ومسافة الصيد وتوفير البضائع؛ لذلك فقد رضوا بأن يدفعوا الثمن الباهظ الذي دفع، بعد هذا الفهم الذي سبق ووصف هنا في مقال سابق آن أوان الأفعال، وهنا أيضًا استغرق الأمر وقتًا.

المستوى العسكري الإسرائيلي بدءًا من قائد المنطقة الجنوبية ورئيس الاستخبارات العسكرية ورئيس "الشاباك" ورئيس الأركان؛ جميعهم يرون في غزة تهديدًا عسكريًا وبحق، ومن جانب الجيش الاسرائيلي حقيقة ان حماس عاودت حفر الأنفاق وتصنيع الصواريخ كان مهيمنًا، وحقيقة الأمر ان لهذا الفهم بديلًا متناميًا على ما يبدو بسبب المشاهدات الميدانية الواردة؛ الأمر الذي جعل وزير الجيش موشيه يعلون يبلور في نهاية الأمر مسلكًا وسطًا ذا فهم مدني، تم وفقه تخفيف الحصار عن غزة، مع مواصلة المراقبة الشديدة لكل القضايا الأمنية والمواد المزدوجة الاستخدام، وهو مصلحة إسرائيلية ملحة، وإلا فإن طنجرة الضغط ستنفجر مرة أخرى "في كل مرة تنفجر فيها هذه الطنجرة" يقول المسؤول العسكري الاسرائيلي الكبير "سيكون الضرر أكبر من السابق".

في نهاية الأمر؛ بدأت الأوضاع تجري على الأرض: منسق الأنشطة في المناطق الجنرال يوآف موردخاي، وبتنسيق وثيق مع مبعوث الأمم المتحدة روبرت سيري، دشنا منظومة إعمار متطورة مع إمكانية مراقبة إسرائيل والأمم المتحدة للإسمنت، الذي يدخل القطاع بحيث لا يذهب لبناء الأنفاق، وألا تصل المواد الصناعية المدخلة الى غزة في صناعة الصواريخ، سمح لتجار غزيين بالخروج من القطاع، والمرضى أيضًا، والأطباء وخبراء آخرين، يتلقى القطاع تراخيص خروج بسهولة نسبية، ويخرج التوت الأرضي والورود الى أوروبا، والعمال الى الضفة، والمنتجات الزراعية والأسماك الى الخليج، الاقتصاد الغزي المحدود والمشلول بدأ يبدي إشارات الحياة.

في المقابل؛ أحصيت جميع المنازل المدمرة في غزة، وأعدت قائمة موردين معتمدين من قبل إسرائيل، وكذلك المواد المسموح بدخولها الى القطاع، وقائمة المستفيدين المسموح لهم إدخالها الى غزة، كل صاحب منزل مدمر يحتاج الى ترميم يتلقى كبونة خاصة تمكنه من استلام كمية محددة من الاسمنت والحديد بغرض الإعمار أو الترميم، ولأن المبالغ المالية التي وعد بها لإعمار غزة لم تضخ الى الآن، ومعظم الدول المانحة منحوا فقط بالكلام ونسوا ان يرسلوا الأموال خطيًا؛ فقد تسبب النقص في المال النقدي بعدم القدرة على تهريب كميات كبيرة من الاسمنت أو الحديد، ويدفع أصحاب المنازل من جيوبهم ثمن البضائع، وهكذا تضمن إسرائيل ان غالبية الاسمنت والحديد إذن تصل نهاية الأمر الى هدفها الأساسي.

وأخيرًا؛ فصحيح انه الى الآن تشكلت بين غزة واسرائيل مقارنة ناعمة، فمن جانب تفهم اسرائيل ان وقف المعاناة الغزية تبعد الانفجار القادم وتخفض ترددات المواجهات مع القطاع، ومن الجانب الآخر تعي إسرائيل ان رفع الحصار عن حماس يمكنها من مضاعفة قوتها، المطلوب هنا تعديل لطيف ومواءمة المصالح مع التوقعات، وفي داخل المنظومة الأمنية أيضاً بين الجهات التي تظن بأن هناك حاجة الى جلب الاستقرار الى غزة، وبين من يريدون مواصلة الضغط.

على الأرض؛ الحصار لم يعد موجود تقريبًا، وحكم حماس مستقر، وتتمنى إسرائيل استمرار هذا الاستقرار، وتأمل ان تصمد الجهة الحاكمة في غزة على طول الوقت.

من وراء الكواليس؛ هناك واقع يركع في كل مرة اللاعبين في الشرق الأوسط لهواه، فإذا كانت كلمة حماس مثالاً للشيطان الأكبر في نظر المواطن الاسرائيلي البسيط؛ فاليوم حماس هي عدو مخضرم معروف أفضل بكثير عن البدائل الأخرى، القاعدة وداعش والفوضى الاسلامية الدموية لتي تطرق بوابات إسرائيل من كل حدب وصوب، ففي هضبة الجولان هناك مواجهة شديدة بين متمردي جبهة النصرة وبين جيش الأسد وحزب الله، وبدأت الأردن تتلقى تهديدات وعمليات على  الحدود الرئيسية من قبل داعش، وفي سيناء تسود فوضى إرهابية بوحي من داعش، وتتعدد فيها النسب وتتجدد مرة تلو أخرى.

وقع لحماس ما وقع لنظام الأسد في سوريا بالضبط؛ فإذا كان هناك اجماع في اسرائيل في بداية الأمر ان الأسد يجب ان ينصرف، وأن انصرافه سيكون بمثابة مساس خطير بمحور الشر المرعي في طهران عبر دمشق وصولًا الى بيروت؛ غير ان المنظومة الاسرائيلية اليوم تبدو مبلبلة على ضوء البديل الداعشي الذي قد يخلف الأسد، كذلك الأمر بالضبط بالنسبة لحماس، حماس يقولون في اسرائيل نعرفها، فحماس عنوان وهدف حماس رفاه الشعب في غزة، وهي تعي انه ليس باستطاعتها تدمير إسرائيل، وهذا أمر نستطيع معايشته، والذي نراه اليوم على الأرض ما هو إلا حياة مشتركة اضطرارية تنمو بين اسرائيل والقطاع الحمساوي، عقيدة نهاية العالم؟ لا، أهون الشرين؟ يبدو انه نعم.

المونيتور العبري

   

  •