شكلت قمة الإتحاد الأفريقي ال28 خطوة هامة في تصويب مسار علاقات المملكة المغربية الشقيقة مع المؤسسة الأفريقية الجامعة بعد 33 عاما من الغياب نتيجة إنسحاب المملكة عام 1984 من منظمة الوحدة الأفريقية بسبب التباين حول إعترافها بالصحراء الغربية (البوليساريو) آنذاك. وعبر الملك محمد السادس عن ارتياحه بالعودة، بالقول إن "عودة المغرب للإتحاد، هي عودة إلى البيت بعد غياب طويل لملاقاة الأسرة الأفريقية." وأكد حرصه في خطابه، الذي القاه في اعقاب تصويت 39 بلدا من 54 دولة أفريقية لصالح عودة المغرب "على تعزيز العلاقات بين المغرب والدول الأفريقية لخدمة مصالح القارة السمراء." وأضاف الملك الشاب " إن المغرب سيكون قطبا من أقطاب النمو الإقتصادي في القارة الأفريقية، ولن يتخلى عن دوره الريادي بها."
وكانت الجزائر أعلنت ترحيبها بعودة المغرب إلى الإتحاد الأفريقي. وهو ما يمنح الخطوة الجزائرية الإيجابية، التي تختلف مع المغرب بشأن ملف الصحراء الغربية، قوة في الإتجاه الصحيح وتشكل مدخلا مهما لتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين. لاسيما وان لديهما طاقات وثروات هامة إذا ما أحسنا إستثمارها بشكل مشترك وفي النطاقين العربي والأفريقي. فضلا عن انها تفتح صفحة جديدة من تقريب وجهات النظر في المسائل المثارة بين البلدين الشقيقين.
وعلى الصعيد الأفريقي تعتبر عودة المغرب إلى الإتحاد خطوة إستراتيجية لهذا البلد، الذي بات منذ فترة يولي إهتماما متزايداً لدوره الريادي في القارة السمراء، كونه اولا عضوا أصيلاً في العائلة الأفريقية؛ ثانيا تشكل القارة عمقه الإستراتيجي؛ ثالثا توطد التعاون بين دول القارة في مجالات وميادين الحياة المختلفة: السياسية والإقتصادية والثقافية التربوية للنهوض بدولها؛ رابعا قناعة الملك والمغرب بأن الإستغلال الأمثل لثروات القارة، والتكامل بين دولها وفق خطط مدروسة سيسهم في حل مشكلاتها ومعضلاتها الداخلية والبينية، والإستغناء عن الآخرين على الأقل فيما لديها من ثروات؛ خامسا إيلاء أهمية للإرتقاء بمكانة دول القارة كل على إنفراد وبشكل مشترك من خلال النهوض بإمكانيات وطاقات الشباب، والحد من الهجرة إلى دول الشمال عبر ومن خلال فتح مجالات جديدة للعمل؛ سادسا كما يمكن للمغرب ان يساهم بدور كبير في دعم قضايا العرب وخاصة قضية العرب المركزية (فلسطين) من خلال مشاركته العضوية الفاعلة في الإتحاد الأفريقي، الذي يفترض ان يبقى ساحة حاضنة لقضية فلسطين، وقطع الطريق على إسرائيل، التي تستغل غياب العرب لتتمدد في القارة السمراء.
وكان المغرب الشقيق أولى موضوع الجنوب أهمية قصوى في توجهاته السياسية والإقتصادية والثقافية، حيث عقد مؤخرا أكثر من دورة لمؤتمر "كراسنا مونتانا" / التعاون بين جنوب الجنوب /. وهو ما يشير إلى إدراك المغرب للأهمية القصوى لتعاون كل دول الجنوب وخاصة دول القارة السوداء، لإن ذلك يشكل رافعة قوية لهذه الدول. وبمقدار تعزيز العلاقات الثنائية والقارية والأممية، بمقدار ما يمكنها تشكيل ثقل رئيسي في خارطة العلاقات الدولية، ويحد من تدخل الدول الأجنبية الغنية في مصيرها ومستقبلها.
لعل الدرس الأهم من عودة المملكة المغربية للإتحاد الأفريقي بعد 33 عاما، يكمن في عدم خروج اي دولة من منبر هام، ورصيد له ولمكانته القارية أي كانت المشاكل المطروحة والخلافات الناشئة عن هذا الحدث او ذاك. وبالتالي عودة المغرب إلى موقعه الطبيعي، هو مكسب له ولمكانته الأفريقية والعربية والعالمية.