كان العام الماضي بالنسبة الى إسرائيل، في رأي مصادر بحثية أميركية نزيهة حيال الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، عام تغييرات كبيرة وعدم استقرار في "الخارج" وإرهاب ولاجئين ومهاجرين وخصوصاً الى أوروبا. وكان أيضاً عام قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيساً لأميركا. هذه التغييرات أثّرت على إسرائيل وأطراف أزمة الشرق الأوسط كلهم من عرب وأجانب مسلمين وغير مسلمين.
استغلّت الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتشدّدة التغييرات للتأكيد لمواطنيها أن في الشرق الأوسط دولة واحدة ديموقراطية ومستقرة ونامية ومزدهرة هي إسرائيل. وكثيرون من هؤلاء يعيدون تقويم توقعاتهم المستقبلية. ويبدو أنهم صاروا أكثر ميلاً الى الاعتقاد أن بلادهم متجهة الى علاقات أفضل مع أميركا، والى ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، مع معرفتهم أن عليهم انتظار التحقيقات القضائية الجارية حالياً مع رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو في قضايا فساد. واستغل اليمينيون الاسرائيليون وممثلوهم في الحكومة ذلك لإقناع شعبهم بأن ترامب هو "مسيح" أرسله الله ليعطيها الضوء الأخضر للقضاء على حل الدولتين، ولنقل السفارة الأميركية الى القدس، ولجعل الضم في المتناول. وإذا تجاوز نتنياهو التحقيقات المُشار إليها وخرج منها ناصعاً أو على الأقل غير مُجرّم فإنه سينجح بواسطة ترامب بل بمساعدته في احتلال موقع مهم في تاريخ بلاده بوصفه "قاضياً" على حلّ الدولتين. علماً أن ذلك لا يعني أبداً أن المشهد السياسي الإسرائيلي لن يشهد تحولاً ما في السنة المقبلة (2018).
كيف ستتأثر "فلسطين" في العام 2017 البادئ منذ شهر وبضعة أيام؟
يتوقّف ذلك في رأي المصادر البحثية والنزيهة نفسها على اتجاهات عدة متداخلة. أبرزها تغييرات جيوسياسية في المنطقة، وتغييرات في أولويات الدول العربية، وتحالف صاعد بين إسرائيل وأميركا وروسيا، وتغيّر ديناميات السياسة الداخلية فلسطينياً وإسرائيلياً وأميركياً. أما التحديات المباشرة التي قد تواجهها فلسطين فهي موقف أميركا بعد تربّع ترامب على سدّة الرئاسة فيها. إذ هناك اقتناع واسع بأنه سيتبنّى تماماً الموقف اليميني المتشدّد لإسرائيل، وسيعطي حكوماتها اليمينية الضوء الأخضر للاستمرار في التوسّع الاستيطاني داخل الضفة الغربية والقدس، وسيوافق على ضمّها أراضي فلسطينية معيّنة، وسينقل سفارة بلاده الى هذه المدينة المقدّسة. هذه التغييرا ت كلها، تلفت المصادر اليمينة إياها ستعيد الكلام الداخلي والدولي على ماهية السلام وطريقة تحقيقه في فلسطين – إسرائيل، وهي تشكّل اليوم وستشكل مستقبلاً تحدّياً إضافياً لفلسطين، بل تحدّيات، أبرزها علاقاتها بالعالم العربي. إذ أن عدداً من دوله التي تريد أو تسعى الى نسج علاقات جيّدة وجدّية مع ترامب لا تستطيع احتمال نتائج ممارستها ضغوطاً من أجل الفلسطينيين وقضيتهم. وستجد نفسها مضطرة الى إبعاد فلسطين عن "أجندة" العلاقة الثنائية بينها وبين أميركا ترامب. وفي حين تشير التوقعات الى أن المستقبل المباشر في فلسطين سيكون مضطرباً، فإنها تشير في الوقت نفسه الى وجود للفرص. فالرؤيا الإسرائيلية التي تبنَّت وعلى نحو تام انبعاثاً موقتاً للموجة الجارفة لليمين المتشدّد سيجد أصحابها لاحقاً أن عليهم أن يدفعوا أثماناً مهمة مثل رد الفلسطينيين لضرباتهم مع احتمال حصول ردود فعل إقليمية ودولية.
كيف يرى نخبويو إسرائيل وضعها وعلاقتها مع أميركا بعد وصول ترامب الى رئاستها وفي ضوء تردّي علاقتها أو بالأحرى علاقة رئيس حكومتها مع سلفه باراك أوباما؟
يعتقد الصحافي دايفيد هوروفيتز مؤسس "تايمز إسرائيل" أن مواطنيه لا يؤمنون كثيراً باستطلاعات الرأي. ولذلك لم تفاجئهم نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. ويقول إن الاسرائيليين عموماً يأملون في ثلاثة مواقف لرئيس أميركا. الأولى التبنّي الكامل لدولتهم. والثانية الفهم الجيّد لشرور المنطقة. والثالثة ضمان اعتماد دولتهم على بلاده كحليف ولا سيما عسكرياً. وفي حين أظهر ترامب تبنّياً ذا صدقية لإسرائيل وللشدائد التي تواجهها في المنطقة فإن الاعتماد عليه كحليف مضمون وخصوصاً عسكرياً لم يوضع قيد الاختبار بعد. وهو يضيف أن لدى إسرائيل اختلافان أو خلافان رئيسيان مهمَّان مع الرئيس الخلف أوباما، يستطيع ترامب أن "يرسمل" عليهما، وهما "الاتفاق النووي" بين إيران والـ5+1 والصراع الفلسطيني – الاسرائيلي.
كيف يستطيع ترامب أن يفعل ذلك؟