جاء في بيان للرئاسة الأميركية (البيت الأبيض) الخميس الماضي، أنّ بناء إسرائيل لمستوطنات جديدة أو توسعة القائم منها، قد لا يساعد على تحقيق السلام مع الفلسطينيين. وقال البيان إن الإدارة الأميركية "لم تأخذ (بعد) موقفا رسميا من النشاط الاستيطاني". لكن البيان ذاته أشار إلى أنّ الإدارة الأميركية لا ترى في الاستيطان عائقاً أمام السلام. وهذا التأرجح بين أنّ "الاستيطان ليس عائقا"، و"الاستيطان لا يساعد في السلام"، قد يكون عنوان السياسة الأميركية المقبلة ضمن مضمون محدد المعالم.
يبدو أن الأمر على صعيد نقل السفارة الأميركية إلى القدس يمر أيضاً في حالة شبيهة بشأن الاستيطان؛ أي التروي قليلا.
إذ أشارت صحف إسرائيلية إلى أنّ إدارة ترامب، أو جزءاً منها، أزعجها أن يفاجئها الإسرائيليون بإعلان توسع هائل في المستوطات خلال الأيام الماضية من دون تشاور معها. ويتضح من مسودة تقول صحيفة "جيروزالم بوست" إنها أعدت الخميس الماضي بشأن النشاط الاستيطاني، قبل أن يصدر البيان سالف الذكر، أنه كانت هناك حدة في الموقف الأميركي من الإعلانات الإسرائيلية، تم التراجع عنها في البيان النهائي. فبحسب الصحيفة، كانت المسودة تتضمن أن إسرائيل "تقوض" جهود ترامب للتوصل إلى السلام عبر المزيد من إجراءات "أحادية" من ضمنها الاستيطان. وبحسب الصحيفة أيضاً، فإن عبارة "الاستيطان ليس عقبة أمام السلام "التي كانت تشكل موقف ترامب أثناء الانتخابات، تم تخفيفها إلى "الاستيطان لا يجب أن يكون عقبة".
هذا التأرجح بين أنها "ليست عقبة" و"لا تساعد"، قد يشكل الحل الوسط، وعنوان المرحلة المقبلة؛ بالطلب من الفلسطينيين أن ينخرطوا في مفاوضات ثنائية مع الإسرائيليين، وترك اشتراط وقف الاستيطان، وترك الأطر الدولية للسلام في الأمم المتحدة أو عبر المبادرة الفرنسية، خلف ظهرهم مقابل تمييع أو تأجيل موضوع نقل السفارة، وعدم التأييد السافر للاستيطان.
ويمكن القول إنّ زيارة الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن، ولقاءاته هناك، وأيضاً رسائل واتصالات فلسطينية مع الإدارة الأميركية، أدت إلى التمهل الأميركي، وهو ما أكدته صحيفة "نيويورك تايمز"، مما حدّ من الاندفاعة الأميركية في تأييد السياسات الاستيطانية التوسعية. لكنّ هناك احتمالا ثالثا، هو أن تفاهمات تجري مع الجانب الإسرائيلي وهناك صفقات تجرى وستجرى. وسيبدو المشهد أكثر وضوحاً ربما مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منتصف هذا الشهر، إلى واشنطن.
يبدو الأمر بالنسبة لسياسات الإدارة الأميركية الجديدة، في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني، في طور التشكل. ويسهم عامل هنا، وآخر هناك، واتصال هاتفي هنا أو هناك، ولقاءات مع زعماء ونصائح من مراكز أبحاث، في هذا التشكيل، وإن كانت هناك مؤشرات لصالح البطء في خطوات مثل تأييد المستوطنات الإسرائيلية، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، من دون أن يلغي هذا خطورة الموقف الأميركي الراهن، ويطرح في الوقت ذاته سيناريوهات تفاهم فلسطيني–أميركي معين، تقابله أيضاً تفاهمات إسرائيلية-أميركية على التهدئة النسبية. وسيكون احتواء الموقف بسيناريوهات تفاهمات أميركية–فلسطينية وأخرى أميركية–إسرائيلية خطراً للغاية، لأنه يعني استمرار الوضع الراهن بتسارع أكبر نسبيا لصالح الإسرائيليين، خصوصا إذا بقيت سياسات الانتظار والجمود الفلسطينية على حالها.
هذا أشبه بتكتيك تفاوضي يرفع الثمن الذي طلبه الأميركيون من الفلسطينيين، ووضعهم في موقع دفع الثمن الباهظ ثم إعطاؤهم ما يشبه النصر بالتمهل والتقليص والإلغاء الجزئي للسيناريوهات التي بدت "مرعبة" للفلسطينيين، سواءً على صعيد السفارة، أو الاستيطان، أو إهمال المفاوضات، أو وقف المساعدات، وهذا كله مقابل عودة الفلسطينيين الكاملة إلى اللعبة القديمة، من مفاوضات ثنائية، أو من دون أمم متحدة، أو أطر دولية. وهذا يرضي الإسرائيليين الذين سيواصلون بناء المستوطنات بسرعة أكبر.
فلسطينياً وعربيا، يمكن المضي في خطوات من نوع التي قام بها الفلسطينيون من رسائل واتصالات للإدارة الأميركية، بما في ذلك تكثيف النشاط الاحتجاجي في الشارع، والجهود التي قام بها الملك عبدالله الثاني، وزيادة الجهد العربي، خصوصا السعودي في الاتجاه ذاته. لكن من الضروري أيضاً تنفيذ رزمة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وإبداء أكبر جاهزية ممكنة للتصدي للسياسة الإسرائيلية الاستيطانية والتوسعية، بصفوف موحدة ومفعلة، مما يعطي رسالة مفادها أنّ "المستوطنات عائق كلي وخطر للوضع" ولا تحتمل التلاعب والانتظار.
عن الغد الأردنية