إنه عدوان جديد، وليس بحرب جديدة، هذا ما حدث الاثنين الماضي إثر الرد العدواني الإسرائيلي على مزاعم بإطلاق صاروخ من قطاع غزة سقط على أرض مفتوحة في أراضي منطقة "زكيم" القريبة من تخوم الساحل على مقربة من قطاع غزة، رد إسرائيلي عشوائي ومنتظم ومدروس في آن واحد شمل كل مناطق قطاع غزة، استمر إلى أن تم الإعلان من قبل قادة العدو، ان الرد في هذه المرحلة قد انتهى ليل الاثنين ـ الثلاثاء، لهذا الإعلان صيغة "الحرب" مع أن ما جرى عدوان آخر قد لا يشبه أي رد سابق، من حيث تواتره وتصاعده، لكنه في نهاية الأمر، مجرد رسالة ردعية هادفة إلى الإعلان عن تحولات في طبيعة ردود الفعل القادمة في حال استمر "التقطير" الصاروخي، مصطلح "التقطير" هذا ابتدعه نتنياهو في تصريح له اثر عودته من لندن، مشيراً إلى أن إطلاق الصواريخ على شكل قطرات متتالية، بين وقت وآخر، لا يعني الرد التقليدي الذي كان متبعاً في السابق، وهكذا فإن نتنياهو يتماثل مع وزير حربه ليبرمان الذي سبق وأن أعلن ـ وفعل ـ أن أي رد على استفزازات فلسطينية من قطاع غزة، سيأخذ منحى آخر، على خلاف طبيعة الردود السابقة التي كانت تكتفي بتوجيه ضربة واحدة، ليلاً، لضمان عدم سقوط ضحايا فلسطينية بعد أن يتخذ الجانب الفلسطيني احتياطاته بانتظار رد الفعل الإسرائيلي المحسوب بدقة، خشية أن يشكل رد أقوى، سبباً لعدم قدرة الطرفين على السيطرة على الأمور، ما قد يدفع الأحداث إلى تطور العدوان إلى حرب جديدة.. ليبرمان لم يعد يهتم بهذه الطريقة لعدم تطور الأمور، متخذاً من الرسائل المرسلة عبر التصعيد الناري وسيلة مثلى لإقناع الجانب الفلسطيني في قطاع غزة بضرورة الإمساك القوي والفاعل بمقاليد الأمور إذا كان يسعى إلى عدم تطوير العدوان إلى حرب!!
التنقيط، أو التقطير، حسب الترجمة إلى العربية، لمصطلح نتنياهو حول إطلاق الصواريخ من تخوم قطاع غزة، يعني أن حركة حماس غير قادرة على تأمين هذه التخوم و"الحدود" بحيث لا تعبث بأمنها قوى صغيرة هامشية، لها أهداف مغايرة وضيقة، لكنها قادرة على وضع حد للهدوء والتهدئة العملية التي استمرت لسنوات رغم تخللها بثلاث حروب متتالية، إلاّ أن كل حرب من هذه الحروب، هدفت إلى توفير الأمن الفعلي بين كل حربين، أما الحروب فقد نشأت ليس بسبب استمرار الاحتلال، بل بسبب عدم القدرة من جانب حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، على الإمساك الشامل والكامل والدقيق بما يجري على هذه الحدود.
حسب مصادر إعلامية إسرائيلية، وخاصة موقع "واللا" فإن الرد الإسرائيلي لم يكن رداً على الصاروخ الذي لم يتم العثور عليه، بل رداً على حادث آخر، حسب الموقع، انه تم فتح النار قرب السياج الحدودي من قبل فلسطينيين على قوة من الجيش الإسرائيلي تعمل في المكان، لم يصب أي جندي، إلاّ أن المسافة بين مطلقي النار والدورية الإسرائيلية كانت قصيرة بحيث تشكل تهديداً مباشراً، يمكن معه سقوط قتلى إسرائيليين، وإصابة آلياتهم، لهذا ـ حسب الموقع ـ لم يعد بإمكان رئيس الأركان غادي ايزنكوت ممارسة ضبط النفس، واستغل الحادث لتنفيذ هجمات تم إعداد أهدافها سلفاً، في إطار رسالة واضحة: لن نسكت على الجرأة الفلسطينية، وعلى حركة حماس أن تتولى مسؤوليتها في هذا الإطار ـ حسب موقع "واللا" ـ خاصة أن جهاز الاستخبارات أوصى قيادة الأركان بإمكانية القيام بعدوان من دون التحول إلى حرب قائمة!!
البعض الفلسطيني، مسؤولون فلسطينيون، كان رد فعلهم "مدروساً" تماماً، متكرراً دائماً: إسرائيل تحاول الخروج من مأزقها من خلال تصدير أزماتها بحرب على القطاع، بكل أسف أنا لا أرى ذلك، هناك أزمات داخلية في إسرائيل، رئيس وزراء مطارد من خلال التحقيقات بشبهة فساد، هناك ابتزاز مستمر من قبل أحزاب الائتلاف الحكومي.. هذا صحيح، إلاّ أنه ليس هناك من أزمة حقيقية تستوجب تصديرها، إذ أن الأزمات المشار اليها، يتم حلها من خلال صفقات داخلية، كما جرى مؤخراً عند التصويت على مشروع "تسوية تشريع الاستيطان"، إسرائيل ليست في أزمة كي تصدرها، والواقع، إذا كان هناك أزمة بل أزمات، فهي في الواقع الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة وعلى كافة الملفات!
وإذا كانت الأزمات، هي التي تحيط بنا في الجانب الفلسطيني، فإن إمكانية الرد على العدوان الإسرائيلي، وإمكانية تحوله إلى حرب، تظل محدودة، إن لم تكن مستحيلة إذا لم نسعَ بكل جهد إلى الخروج من هذه الأزمات، ذلك أن إدارة الظهر إلى هذا الواقع من شأنها أن تحيل الجبهة الداخلية إلى وضع أكثر ضعفاً وعجزاً، وليس من الصحيح تكرار الشعار الدائم: اننا على استعداد كامل للمواجهة، فهذا غير صحيح في ظل مثل هذه الأزمات المتفاقمة والانقسام الذي يتحول يوماً بعد آخر إلى انفصال واقعي!!