ما وراء قرار الكنيست

9998424976
حجم الخط

 

أخيراً وقع الفأس في الرأس، كما يقول الناس حين يقع حدث انتظروا وقوعه طويلاً.

الحدث.. هو شرعنة المستوطنات التي كانت تسمى غير قانونية، بما يعني مزيداً من الاستباحة المفتوحة للأرض الفلسطينية، وإضفاء صفة قانونية بالمنظور الاسرائيلي على ما هو غير قانوني ولا أخلاقي ولا إنساني.

منذ بداية الاستيطان وعمره عشرات كثيرة من السنين، لم تجرؤ حكومة إسرائيلية على ما تجرأت عليه الحكومة الحالية، ولم يحدث تعسف في استخدام الأغلبية البرلمانية، مثلما حدث في الكنيست الذي يباهي نتنياهو بأنه رمز الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فإذا به يفاجئ العالم بأنها فعلا ديموقراطية وحيدة، ولكن من أجل بلوغ غاياتٍ غير أخلاقية وحتى عنصرية.

ما لفت نظري هو رد فعل الطبقة السياسية الفلسطينية على القرار العدواني الأخير، وأستغرب ان نقطة الاجماع في ردود الفعل هذه، هي الطلب من المجتمع الدولي بمعالجة الامر، حيث أن قرار الكنيست جاء مخالفاً لمؤتمر باريس، وقرار مجلس الأمن 2334، كما تضمن جملة متكررة حين قيل " لقد آن الأوان ان تقوم محكمة الجنايات الدولية بمعالجة ملف الاستيطان كجريمة حرب"، كما لو أنّ الأوان لم يكن ملائما حين بُنيت اول مستوطنة، وحين بلغ عدد المستوطنين في الضفة ما يقارب المليون، ولم يمض يوم منذ العام 1967، وحتى العام 2017دون أن يتسع الاستيطان ، او يخطط لمستوطنات جديدة.

اثناء التصويت على القرار اللاأخلاقي، قرار القرصنة المشروعة على الطريقة الإسرائيلية، كان نتنياهو قد انهى اجتماعاته في لندن مع نظيرته البريطانية تيريزا ماي، وبوسعنا الاستنتاج بأنه عرض عليها حكاية "مشروع قانون التسوية"، وعاتبها على تصويتها في مجلس الامن، وموقف حكومتها من مؤتمر باريس، وبوسعنا الاستنتاج كذلك، بأنها ردت عليه بما فسرت به سابقاً موقف حكومتها من أن مؤتمر باريس لا أهمية له، وكذلك القرار 2334، وبالتأكيد تكون قد طلبت منه تفهم المواقف اللفظية والفرق الكبير بينها وبين السياسات العملية، التي عبرت عنها السيدة ماي بوصف العلاقة مع إسرائيل على أنها الأقوى والاوثق من أي علاقة أخرى.

السيدة ماي وإن تحدثت باسم بريطانيا العظمى، الا انها عبرت عن الموقف الحقيقي للمجتمع الدولي، فخذ من الادانات والتنديدات ما يملأ الصحف ووسائل الاعلام، ولا تقترب من الاليات والعقوبات المحروسة من الولايات المتحدة ومن ينسج على منوالها من الدول.

التصويت في الكنيست ونقل القضية الى القضاء، واحتمال ان تصدر المحكمة العليا قرارا بأبطال قرار الكنيست، يظل امراً خطيراً فهو ينقل الحقوق الفلسطينية من موضعها المنطقي والطبيعي كقضية سياسية واستراتيجية، الى قضية عادية يجري تداولها في الاروقة الاسرائيلية، ليس كقضية شعب واقع تحت احتلال اجنبي مرفوض من كل القيم والتقاليد الإنسانية والسياسية والأخلاقية، الى قضية نزاع محدود وبسيط تبت فيه مؤسسات المحتل، الذي لا يصلح بأي منطق ان يكون حكما وقاضيا.

ان الطريقة التي تعالج بها الدولة المحتلة أمر الاستيطان، تشير الى ان ما بعد التصويت في الكنيست هو الأخطر، ذلك ان شرعنة البؤر الاستيطانية وفق قانون إسرائيلي، يعني اول خطوات الضم الفعلي للأرض الفلسطينية وبعد ذلك تجري معالجة امر الساكنين عليها، كسكان امر واقع تعالج امورهم في افضل الأحوال بحكم ذاتي اداري تحت امر واقع تكون فيه السيادة الحقيقية لإسرائيل، وكان نتنياهو قد افصح عن ذلك صراحة حين قال "لن نتنازل عن سيطرة امنية كاملة على كل الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط".

لا أخال هذا الامر الخطير غائبا عن بال أحد، ومن هذه الزاوية ينبغي ان نعالج هذا الامر المصيري، وأن ندقق من جديد في قدرات المجتمع الدولي على حسم هذا الامر.