جريدة أميركية، مرموقة وواسعة الانتشار والتأثير، لعلها «نيويورك تايمز» صنّفت كتاب إدوارد سعيد «الاستشراق» بين مائة إصدار لأهم الكتب على مستوى العالم في القرن المنصرم.
لا أعرف كم طبعة من الكتاب، ولا عدد ترجماته إلى اللغات الحيّة، ولعلّ شاعرنا القومي في عداد أصحاب أكثر دواوين الشعر العربي تراجمَ إلى اللغات الحيّة.
هل أضيف رواية جنسية للشاعرة والأديبة السورية ـ الفرنسية، سلوى النعيمي، كأكثر الروايات العربية في عداد تراجمها إلى لغات العالم؟
لا أعتقد أن روايتها اللاحقة «شبه الجزيرة العربية» حظيت في الانتشار والترجمات، بما حظيت به روايتها «برهان العسل».
العسل، في الرواية، هو «ماء الحياة يراق في الأرحام» كما قال شاعر قديم، وفي الرواية إيّاها يريقه عشيقها ومعشوقته للمتعة المحضة.
سلوى صديقتي في أيام الجامعة، وفي جلسة باريسية معها وزوجها، وهو صديقي، أيضاً، أدليت برأيي في روايتها، أثنى عليه زوجها، وهو: كان الأحسن لو حذفت الصفحات الأخيرة من روايتها، التي تفيد أن وقائع الشبق والعشق المجنون، والعسل وبراهينه، مجرد استيهامات ربما من وحي تجربتها الأولى مع الرجل الأول في حياتها، ولعلّه شاعر سوري راحل وشهير، هو صديقي وصديق زوجها، وهو طبيب وجرّاح وأديب.
قد تكون رواية «برهان العسل» فاقت سائر روايات الجنس العربية، وكاتباتها، خصوصاً في نصيبها من الانتشار العالمي، لكنها ليست في مستوى رواية الياباني ياسوناري كاواباتا: «الجميلات النائمات»، علماً أن كاتبها حاز «نوبل» آداب 1968 على مجمل أعماله وليس على روايته بالذات.
أديب آخر، هو غارسيا ماركيز، حائز «نوبل» آداب عن روايته الأشهر «مائة عام من العزلة» 1982، لكنه شعر بالغيرة من رواية كاواباتا، ونسج على منوالها في روايته الأخيرة «غانياتي الحزينات» لكنها، في رأيي، لم تكن على مستوى رواية كاواباتا.
تجدون «البورنو» في الشعر والرواية والسينما، وحتى لدى كتب لمشايخ الإسلام، ولكنها تتراوح في جودتها بين الخلاعة الرخيصة «الحيوانية» والأدب الحقيقي، علماً أن الحيوان يمارس الجنس في مواسم معينة، ويؤمن حفظ النوع، عكس المخلوق الأعلى.
رواية «مائة عام من العزلة» حظيت بتراجم بلغت قرابة 30 مليون نسخة، لم تبلغها روايته «ليس للجنرال من يكاتبه» ولا، خصوصاً روايته الأخيرة «غانياتي الحزينات».
ليست أكثر الكتب توزيعاً «بست سيللر» في لغة ما هي أكثرها ترجمة أو حيازة للجوائز، لكن الكتب والروايات التي تتعرض للحظر، أو يتعرض كاتبها للملاحقة قد تغدو «بست سيللر» بغض النظر عن مستواها الإبداعي والفكري أولاً.
قد نشير، عالمياً، إلى كتاب «آيات شيطانية» لسليمان رشدي، بعد فتوى الإمام الخميني بإهدار دمه، رغم أنه كتاب ركيك.
أو نشير إلى رواية تحت عنوان: «جريمة في رام الله» التي خضعت للحظر وصاحبها للمساءلة بتهمة «خدش الحياء العام»، وكانت روايته الأولى، وهي ركيكة، بعنوان «رام الله الشقراء» أثارت لغطاً فاق حتى احتجاجات المثقفين الفلسطينيين على حظر حكومة «حماس» الأولى كتاب «قول يا طير» التراثي لأنه يخدش الحياء العام؟!
المثقفون والديمقراطيون الفلسطينيون تضامنوا مع صاحب الرواية الثانية، من منطلق حرية الرأي والتعبير ليس إلاّ، ما دفع وزير الثقافة إلى كتابة أفضل ما كتب وأكثره توازناً، وآخرون ذكروا كتباً جنسية لمؤلفين قدماء من مشايخ الإسلام، وهي موجودة على «الإنترنت»، كما رواية «جريمة في رام الله».
شخصياً، قرأت «رام الله الشقراء» ولا أنوي قراءة الثانية، فالأولى رخيصة ولعلّ الثانية تفوقها من حيث الرخص، وإن رفعها حظر النائب العام إلى أكثر الروايات الفلسطينية اطلاعاً، لأنها صدرت في ظرف زمان فلسطيني حسّاس، شديد التأثّر بظرف عربي وإسلامي حسّاس.
إن اسم «رام الله» في الروايتين، يشير بشكل مباشر أو غير مباشر إلى سلطة أوسلو، موضع الأخذ والردّ على الصعيد الوطني، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وكذا على الصعيدين الإسرائيلي والعالمي.
هناك في أسلحة التفجيرات ما يسمى «صاعق التفجير» وفي الكيمياء ما يسمى «النقطة الحرجة» في خلط مواد كيميائية أو نووية، تحمل خطر انفجار في المختبرات. ترون هذا في السينما.
الوضع في فلسطين متأثر بالمدّ الإسلامي، الذي بدأ مع الخمينية الشيعية، وبالتالي مع الوهابية السنّية، وثالثاً، مع مد الاتجاه الديني اليهودي على حساب الصهيونية العلمانية، وقد نضيف، أيضاً، وعلى مستوى العالم، بداية موجة ترامبية.
النائب العام جانبه الصواب، لكن ربما كان في باله ماذا ستقول «حماس» عن رواية جنسية تصدر في رام الله، التي تعاني سلطتها من «نقطة حرجة» في استراتيجيتها الوطنية المقبولة عالمياً، وغير المقبولة وطنياً، كما تعاني البلاد العربية والعالم من نقطة حرجة بعد الترامبية، وصاحبها بذيء اللسان، وسياسته خطيرة على بلاده والعالم، وعلى فلسطين، أيضاً، وبالذات.
يمكن أن تغني نجاة الصغيرة: «حتى فساتيني التي أهملتها فرحت به رقصت على قدميه» ويمكن لشاعرنا القومي أن يقول «بروق ركبتيها» ويمكن لمعارضي حظر الرواية الإشارة إلى الكتب الجنسية القديمة.
لكن كل ذلك كان في زمان آخر وظروف أخرى أكثر استفزازاً من «النقطة الحرجة» وفي دول ومجتمعات أكثر رسوخاً من سلطة تبحث عن دولة في ظروف غير مواتية.
أخيراً، يقول أدونيس إنه لا يستطيع أن يكتب كما يفكر. كلا، لقد فعل في كتبه الثلاثة: «الكتاب: أمس. الزمان. المكان» قبل المدّ الإسلامي والسعار الاسرائيلي، وصعود الترامبية» وإن على منوال «اللبيب من الإشارة يفهم».
حسن البطل