تهاجم اسرائيل بشكل مكثف قطاع غزة؛ لأنها تستطيع. فما بالك أن هذه الهجمات تخدم ما يسمى في اللغة العسكرية "حفظ الردع"؟ على الحدود يبنى الآن بشكل مكثف العائق الجديد، وتتجول عشرات الآليات الثقيلة ومئات الاشخاص كل يوم قرب الجدار، تحسباً لكل شرير يرغب في أن يمسهم بشر ويخرب أعمالهم.
إذاً، تستغل إسرائيل كل فرصة كي تشرح لـ "حماس" بأن مهمتها هي الحفاظ على الهدوء وألا تزعجها، فما بالك أن هذه الهجمات هي فرصة لإجراء فحص القدرات وتدمير الأهداف.
ولكن كل هذا ما كان ليحصل بهذه الشدة لو كانوا واثقين في اسرائيل بأنه يمكن رفع مستوى الرد حيال "حماس" دون أن تخرج القصة عن نطاق السيطرة.
يبث السلوك السياسي والعسكري لـ "حماس" أن المنظمة توجد منذ أشهر طويلة في موقف انتظار، وتتردد بشأن الاستراتيجية الصحيحة لتحقيق أهدافها. "الربيع العربي"، وبالأساس "الجرف الصامد"، أوضحا لـ "حماس" بأن القدرات العسكرية التي أبدتها حتى الآن ليس فيها ما يهز إسرائيل ويجبرها على قبول الاملاءات التي تخدم المصلحة الفلسطينية، وبالاساس التيار الاسلامي. وبالتوازي، فان الكتف الباردة التي تتلقاها المنظمة من العالم العربي تضعها في مفترق طرق: اعتدال عسكري ومبادرة سياسية أو العكس. وحاليا تختار "حماس" المبادرة السياسية: انظروا ابتعادها عن "داعش" في سيناء واقترابها من مصر.
بخلاف ما يعتقدونه عندنا، فان "الجرف الصامد" كانت من ناحية "حماس" فشلاً عسكرياً بكل مقياس محتمل. فقد أطلقوا مثلا اكثر من 20 صاروخا مضادا للدبابات نحو دبابات اسرائيلية، وكلها حيدتها منظومة "معطف الريح". لم ينجح أي انتحاري وأي عبوة جانبية في وقف حركة الجيش الاسرائيلي الى القطاع. لم يصب أي صاروخ ارض – جو مروحية إسرائيلية. لم تحقق منظومة الكوماندو البحرية للمنظمة نتائج. وحققت الانفاق نتائج جزئية جداً. أما الاحساس بالقلق في اسرائيل في موضوع الانفاق فيقف على نقيض تام مع خيبة الامل في اوساط رجال الذراع العسكرية لـ "حماس" في ضوء الاستخدام المحدود الذي كان للانفاق: فلم ينفذ تسلل إلى أي بلدة إسرائيلية، ولم يختطف أي جندي أو مواطن إسرائيلي عبر الأنفاق.
هذه الأقانيم، أغلب الظن حملت "حماس" إلى الاستنتاج بأنها من الافضل لها في المرحلة الحالية أن تتوقف، وأن تنزل إلى حالة الدفاع وأن تستعد عسكريا وسياسيا لمستقبل تتمكن فيه من أن تدفع إلى الساحة قوة تفاجئ إسرائيل.
كل خطوة من شأنها أن تجر إسرائيل إلى جولة عنف أخرى في القطاع ستزعج فقط بناء هذه القوة.
تنفذ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" اليوم مرة في الأسبوع تجارب على الصواريخ – بما في ذلك الصواريخ الثقيلة وبعيدة المدى – من مواقع معروفة مثل دير البلح ودوغيت سابقا، دون عراقيل. الايرانيون ايضا، بعد الاتفاق النووي وتسريح الاموال، أصبحوا اكثر سخاء. هذه السنة منحوا الذراع العسكرية لـ"حماس" 150 مليون دولار – مبلغا مضاعفا لما منحوه في الماضي. كما أن فترة الانتظار الحالية جيدة لـ "حماس" لأسباب داخلية، إذ إنها تستعد لانتخاب مؤسساتها، العملية التي ستستغرق ثلاثة أشهر على الأقل، حتى انتخاب قيادة جديدة يترأسها أغلب الظن إسماعيل هنية.
في الذراع العسكرية لـ "حماس" يعتقدون بأن إسرائيل تخطط لاستغلال الضعف المؤقت للمنظمة في الفترة الانتقالية ومهاجمة غزة.
يقدرون هناك بأن اسرائيل تسعى إلى جر "حماس" إلى مواجهة شاملة من خلال استفزاز عسكري، ولهذا فهم يبذلون جهداً لقمع كل محاولة من محافل المعارضة لدهورة الوضع.
إذاً، يمكن لاسرائيل أن تواصل الرد بشدة على النار الصادرة من القطاع والاعتماد على الوسيط القطري في نقل الرسائل. ولكن هذا لا يدوم أبداً.
ففي أي نقطة ستتوصل "حماس" إلى الاستنتاج بأن هجوماً معيناً هو جزء من خطة إسرائيلية لاجتياح غزة؟ هذا هو الرهان.
أزمة جديدة تعقد موقف أولمو مع برشلونة
02 يناير 2025