الرئيس ترامب هو الأول بين الرؤساء الأمريكيين ممن سبقوه الذين أثار وصولهم للرئاسة وفوزه في إنتخابات رئاسية جدلا سياسيا عجزت كل إستطلاعات الرأي التنبؤ على فوزه في الإنتخابات، والوحيد الذي يتعرض من الأسبوع الأول لفوزه لحركات إحتجاجات ، ومعارضة شعبية غير مسبوقة ، دفعت للتكهن والتسرع في إصدار التوقعات عن إمكانية قدرته على تكملة رئاسته في الأربع سنوات القادمة ، وتناثرت السيناريوهات التي وصل بعضها للتوقع بحدوث إنقلاب عسكري ، وهو أمر مستبعد تماما في نظام سياسي ديموقراطي أحد أبرز ركائزه خضوع أقوى وأكبر مؤسسة عسكرية لشخص الرئيس المنتخب، فعلاقة التبعية واضحة من المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية ،مع تأثير واضح في القرارات الأمنية والعسكرية.. والسؤال أيهما أقوى آليات وصلاحيات منصب الرئيس أو آليات عزله؟ يستمد الرئيس الأمريكي قوته كونه الوحيد في النظام السياسي الأمريكي الذي يأتي عبر إنتخابات عامة كل أربع سنوات من قبل الشعب الأمريكي كله، ووفقا لذلك فهو مسؤول مسؤولية مباشرة أمام الشعب الأمريكي ، وقوته تساوي قوة الكونغرس الأمريكي بمجلسيه ، ولذلك منح الكونغرس صلاحيات في آليات عزل الرئيس في مناسبات محددة لكنها مقيدة ومحدوده. وكان الهدف من إنتخاب رئيس قوي من قبل مؤسسي النظام السياسي الأمريكي انه الوحيد الذي يعبر عن قوة الأمة الأمريكية ، وهذا ما يجعل إنتخابه حدثا عالميا وليس أمريكيا فقط، وكأنه رئيس للعالم بفعل قوة هذا المنصب الذي يستمد قوته من قوة الولايات المتحدة كدولة أحادية القوة تتربع على قمة النظام العالمي.ويستمد قوته أيضا من كون النظام السياسي الأمريكي يقوم على مبدأ الفصل المطلق للسلطات ، بمعنى لا يمكن للرئيس حل البرلمان، ولا يمكن للبرلمان حجب الثقة عن الرئيس إلا في حالة إساءة الرئيس لمنصبه ويعتبر الرئيس الأمريكي الشخص الوحيد المفوض وفقا للدستور الأمريكي برئاسة السلطة التنفيذية التي تفوض كلها في شخصه، وبناءا عليه له حرية مطلقه في إختيار وزرائه ويكونون مسؤولين امامه، ويعمل كل الجهاز الاداري والوكالات الرئاسية خدمة له للقيام بمهام السلطة التنفيذية ، ويمارس من الصلاحيات التنفيذية ما لا يمارسه أي رئيس آخر في العالم، فهو رئيس الدولة ، ورئيس السلطة التنفيذية والدبلوماسي الأول،والقائد الأعلى للقوات المسلحة ، والمشرع الرئيس، ورئيس أحد أكبر الأحزاب في الولايات المتحدة ، هذه الصلاحيات المطلقة لا يمارسها الرئيس بشكل مطلق، فتوجد قيود وحدود للممارسته لسلطاته منها : نظام الكوابح والجواح الذي يعطي الكونغرس والمحكمة الإتحادية العليا سلطات تقيد من سلطات الرئيس ، لكن في حالة الرئيس ترامب لديه كونغرس بأغلبية الحزب الجمهوري ، ومحكمة إتحادية عليا قضاتها أكثر تأييدا له، ومن القيود وسائل الإعلام وهنا أيضا يمكن التحكم فيها من خلال ترهيب وإخافة الإعلام المعارض وخلق الإعلام المؤيد، وهنا يلعب المال عنصرا مهما له، ومن الوسائل التي يتميز بها النظام السياسي دور اللوبيات وجماعات الضغط ويتفاوت دورها بين التأييد والمعارضة.ويلعب الرأي العام دورا مؤثرا في السياسة الأمريكية كما لاحظنا بالنسبة لمعارضة القرارات التي أتخذها الرئيس بالنسبة لمنع مواطني بعض الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة ، وخروج المسيرات الشعبية في حالة غير مسبوقة، وبالمقابل تكمن قوة الرئيس الأمريكي في موظفي البيت الأبيض، والمؤسسات المعاونة له كمجلس الأمن القومي ، والمؤسسات الإقتصادية الإستشارية التي تعمل في خدمته، وبهدف ترشيد القرار السياسي ، ومجلس وزراء مسؤول أمامه مباشرة ،أضف إلى قوة الحزب الجمهوري الذي يترأسه .وقدرته في عزل وتعيين من يرى من العسكريين، وقدرته على تسييس هذه المؤسسة، وحيث ان المال يعتبر لبن السياسة في السياسة الأمريكية يمكنه من توظيف هذا المال في مكافأة مؤيديه من رجال المال والأعمال. ومحاولته تحويل الشعبوية والذين أعطوه صوتهم إلى إطار تنظيمي على غرار الإطار التنظيمي الحزبي القائم. رغم كل هذه العناصر التي تدعم الرئيس الأمريكي وتدفع في إتجاه سيناريو تكملة الأربع سنوات ،فإن الدستور وضح الحالات التي يمكن ان يفقد من خلالها منصبه ، كالإستقالة والعزل ، والوفاة ، ولعل أهمها إقالة الرئيس من منصبة إذا ما وجهت له تهمة الإساءة للمنصب،او الإضرار بالمصالح العليا للولايات المتحدة ، وهي عملية معقدة وطويلة ، وليس من السهل الوصول لهذه المرحلة ، وسبق أن رأينا ذلك في حالة الرئيس نيكسون وفضيحة واتر جيت، والرئيس كلينتون، ألأول لم يكمل رئاسته، والثاني كمل رئاسته بحكم ألغلبية الديموقراطية وقتها في مجلس الشيوخ.. عملية الإقالة معقده ، ومن خلالها يقوم الكونغرس بمجلسيه بدور توجيه الإتهام ،ويلعب مجلس الشيوخ دورا بارزا كدور النيابة والدفاع. هذا السيناريو يبقى إحتمالا قائما إذا ما أكتشفت خروقات في حياة الرئيس ترامب، وهو امر ليس قويا، ويبقى الإحتمال الأكبر إتخاذ قراررات تتناقض والقسم الدستوري وما قد يترتب عليها خروج مسيرات شعبية كبيرة تضطر الكونغرس للنظر في عزل الرئيس. ويبقى اخيرا تكرار نموذج الرئيس جون كيندي ، تبقى الولايات المتحدة دولة مؤسسات ، ولعل للمؤسسات العميقة كالمؤسسة العسكرية دورا حاسما في الحفاظ على ألأمن القومي الأمريكي ، نظام سياسي يوازي بين قوة منصب الرئاسة ، وقوة العزل، والهدف خلق حالة من التوازن ، والحيلولة دون الرئيس الديكتاتور, ويبقى النظام السياسي أكبر من قوة الرئيس الذي يعتبر في النهاية نتاج لهذا النظام وأحد مخرجاته.