صدام والقذافي.... ينتظران اعتذاراً أمريكياً

9998424976
حجم الخط

لم أضع اسم الرئيس حسني مبارك في العنوان، لأنه كان مختلفا عن الاثنين، وما ينطبق عليهما لا ينطبق بمعظمه عليه.

 

أوباما وليس ترامب، وهيلاري وليس تيليرسون، من سرّع في إخراج مبارك من الحكم، لتمكين الاخوان المسلمين من أخذ فرصتهم في التعاون مع أمريكا وتحديث مصر، وها نحن نرى خلاصة التدخل الأمريكي في مصر، التي لولا عناية الله، لكانت أفغانستان أو اليمن "مزحة" بالقياس معها.

 

وفي العراق .. أصدرت إدارة الجمهورية حكماً بالإعدام على هذا البلد الحضاري التاريخي، فنفذته مباشرة بشنق صدام حسين، ومواصلة عمليات الإعدام من يومها وإلى أجل غير مسمى.

 

وفي ليبيا... تتحمل أمريكا المسؤولية المباشرة عن تصفية القذافي الجسدية، لتتواصل تصفية ليبيا منذ ذلك اليوم وحتى إشعار آخر.

 

ولكي لا يساء الفهم، فلم يكن حكم مبارك نموذجيا حتى يؤسف عليه، ولم يكن صدام حسين ديموقراطيا حتى نترحم على نظامه، ولم يكن القذافي حاكما رشيداً كي نعتبر الإطاحة به كارثة ليبية وقومية، إلا أن ما أقصده في هذه المقالة، هو الانفصام العملي والخطير بين الشعار الأمريكي المستخدم لتحقيق الأجندات ولو اقتضت القضاء على زعماء ونظم، وبين حقيقة الدوافع والنتائج. وكل ما فعلته أمريكا من انقلابات وإعدامات وحروب، كانت تغطى دعائياً بأغلفة وردية تحمل أسمى أشكال الحضارية والعصرية وحقوق الانسان، ولسوء حظ أمريكا وحظنا، ان نتائج معاركها وانقلاباتها نجحت باستبدال الديكتاتورية بالفوضى التي وصفتها بالخلاقة، ونجحت كذلك في إفقار الأغنياء، وإشاعة الحروب الداخلية تحت عناويين متعددة، محصلتها اخراج منطقة بأسرها من العالم الحديث، واغراقها بالدم والدمار، ولا شك ان أمريكا تملك قدرات خارقة على التمويه والترويج وجعل الباطل حقا، حتى أنّ هوليوود أقيمت لهذا الغرض، فالعالم مقسوم الى قسمين، شرير يطارده المسدس الأمريكي، وخيِّر يصطاد الشريرين في كل مكان.

 

غير أن هذه المعادلة التي لم تكن اصيلة ولا منطقية، راحت تتبدد وتكشف ما تحتها خلال مدة قياسية لا تتجاوز الأيام العشرة، التي يسميها العالم بأيام ترامب الخطرة.

 

مبكرٌ الحديث عن سياسة ترامب الخارجية، وهل سيقود العالم الى حروب باردة جديدة، فلمعرفة ذلك أوان لم ينضج بعد، وقد يتضح اكثر في نهاية الأيام المائة الأولى لولايته، الا ان ما يستحق النقاش حقا، هو كيفية حكم ترامب للدولة الديموقراطية الأهم في العالم "أمريكا"، وما هو مصير تميزها الديموقراطي والحضاري والمؤسساتي في عهده، الذي بدأ الامريكيون يسمونه بعهد المراسيم والتويتر، ففي عشرة أيام حقق الرجل ما لم يحققه أي ديكتاتور في بلد آخر في سنوات، فقد أشعل حرباً بلا هوادة مع الصحافة الامريكية، التي لم تكن يوماً مجرد حبر على ورق، بل كانت الغلاف الثقافي لعظمة أمريكا ونفوذها وقوة مؤسساتها، ولا ننسى ان الصحافة التي اشتبك معها ترامب، أطاحت بالرئيس نيكسون، الذي كان يعتبر واحدا من أقوى الرؤساء، وحين يشتبك رئيس مع صحافة بهذا الوزن ولأسباب تتعلق بشخصه وإساءة فهمه لمعنى الرئاسة، فبوسعنا تخيل أي كارثة حلت بأمريكا على هذا الصعيد.

 

 ولو توقف الأمر عند الصحافة لقلنا هذه مقدور عليها بصورة او بأخرى، اما حين يصل الأمر إلى خصومة مع القضاء، والعمل على زج قاضٍ غير مؤهل ليعمل في المحكمة العليا، حارسا على مصالح ترامب، ودرعا يقيه الاتهامات والاحكام، فذلك أمر استحى حتى زعماء العالم الثالث باستثناء نتنياهو من فعله، وحين يُصدر حامل الشيفرة النووية أحكاما تَهزأُ من حلف الشمال الأطلسي وتسخر من الأمم المتحدة، وتتلخص في محو آثار سلفه كما لو أنه قام بانقلاب عليه، فذلك ما يبدد الصورة الأمريكية الهوليوودية، وما يجعل من كل ما انفق على هذه الصورة، مجرد غلاف رقيق يمزقه يوم واحد من أيام ترامب في البيت الأبيض.

 

 بعد ذلك كله، ألا يحق لصدام والقذافي طلب الاعتذار؟ ففي الجوهر ما هو الفرق؟.