أولوياتنا بحاجة إلى ترتيب

عبد الناصر النجار
حجم الخط

ما هي أولويات الشعب الفلسطيني في ظل المتغيرات المتسارعة دولياً وإقليمياً؟ وهل هي أولويات قديمة أم أن الطارئ يفرض علينا إعادة النظر في هذه الأولويات؟.
يتعرض الفلسطينيون لاعتداءات من كل جانب، وبشكل أساسي من الاحتلال الإسرائيلي، بحيث إن من يدقق في المشهد يلاحظ مدى ضعفنا شئنا أم أبينا، لأننا لم نعد نعرف ماذا نريد من أولوياتنا؟
هل أولوياتنا سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية؟
من الناحية السياسية، هل أولوياتنا اليوم هي مواجهة الاستيطان الذي يزرع الموت في جسد الأرض الفلسطينية ويتمدد بطرق جنونية، بحيث أصبح كالأفعى ينفث سمومه القاتلة في كل مكان... ونحن لا نجد إلا مزيداً من بيانات الشجب والاستنكار، وفي أفضل الأحيان التهديد بالتوجه إلى المؤسسات الدولية ومن بينها محكمة الجنايات الدولية...
سلطات الاحتلال وفي ظل صعود الترامبية، تستغل هذا الوضع لتقوم ببناء مزيد من الوحدات الاستيطانية التي لم تَعد تُعد بالعشرات أو المئات وإنما بالآلاف، دون أن تخشى رد فعل حقيقياً فلسطينياً أكان أم عربياً أم دولياً.
إذا كانت مواجهة الاستيطان أولويةً فما هو السبيل إليها؟ هل بالمقاومة الشعبية التي لم تعد شعبيةً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وإنما أصبحت أحداثاً أسبوعية محدودة جداً هنا وهناك وتزداد ضعفاً، وأعداد المشاركين فيها تقل أسبوعاً بعد آخر بدل أن تشتد قوتها.
ربما يقول البعض إن الأولوية هي المصالحة الفلسطينية، لأن في الوحدة قوة... وبالاتفاق على سبيل المواجهة نستطيع أن نغير قواعد اللعبة داخلياً وخارجياً، ولكن كيف لهذه المصالحة أن تتم والكل يلهث وراء عظام سياسية ليس فيها إلا البقاء في دائرة الضعف، وتقسيم الوطن، وإدارة الخدمات، والبحث عن ممولين لأزماتنا المالية عبر التسول المالي القائم على التنازلات السياسية أو التبعية لهذه الجهة أو تلك.
قد يرى البعض أن الأولوية تكمن في تعزيز الصمود الفلسطيني على الأرض وإعادة القيمة للأرض المتروكة منذ عشرات السنين حتى أصابها الجفاف والتصحر وأصبحت فريسةً سهلة للمستوطنين وغلاة اليمين الإسرائيلي، ولكن كيف يمكن تعزيز الصمود وإعاد القوة إلى القطاع الزراعي دون دعم حقيقي له.
ربما يرى البعض أن الأولوية اليوم هي تجنيد أكبر عدد من المناصرين للقضية الفلسطينية في الخارج وبشكل خاص في أوروبا، والانضمام بشكل أوسع الى المنظمات والهيئات الدولية، وفي المقدم منها الحقوقية والسياسية، من أجل أن تكون حائط صد أمام الاعتداءات الإسرائيلية، لكن الانضمام إلى مزيد من المنظمات الدولية لن يكون سهلاً كما كان الحال خلال السنوات الماضية، لأن ترامب ومستشاريه من المستوطنين هددوا وما زالوا يهددون مالياً وسياسياً وربما أكثر من ذلك.
إذن، المشهد الفلسطيني في حالة تخبط واضح، ولم تعد القيادة قادرة على تحديد أولوياتنا التي يمكن أن نحقق من خلالها ما يمكن الاستثمار فيه مستقبلاً أو البناء عليه سياسياً أو اقتصادياً.
ولكن حتى تكون هذه الأولوية فاعلةً، فإنه لا يمكن أن نغفل عن رأي الجماهير ورأي المواطن البسيط في كل ما يحصل لأن النخب الفلسطينية أصبحت في معظمها مشلولة غير قادرة على النصح والإرشاد لأنها باختصار مشتراة من هذه الحركة أو تلك أو من هذه الفئة أو تلك، وأصبحت النخب أقرب إلى الحزبية منها للمفهوم الوطني الجامع.
بالتأكيد، أولوياتنا هي مواجهة هذا الاحتلال وإفرازاته، حتى لا نحقق رغبات اليمين الإسرائيلي الذي يؤكد كل يوم أن لا دولة فلسطينية، وأن هذا المصطلح أصبح من الماضي، وألا ننتظر أكثر حتى يصبح المستوطنون أغلبية في الضفة الغربية والقدس المحتلة.