إطلاق الصواريخ على إيلات : "داعش" في خدمة "حماس"

20171102090255
حجم الخط

من المحتمل جداً وجود صلة بين إطلاق الصواريخ على إيلات، أول من أمس، والهجوم الذي نسبته حركة "حماس" للجيش الإسرائيلي وجاء بعد ساعتين من ذلك على حدود غزة- سيناء. المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كذّبت أن يكون سلاح الجو الإسرائيلي هاجم الليلة نفقاً يربط سيناء وقطاع غزة كما تدعي "حماس"، لكن هناك حقيقة هي مقتل عنصرين من الحركة، وجرح آخرين في الليلة ذاتها في النفق ربما في حادثة أو بسبب شيء آخر.
إن وقوع هذين الحادثين الأمنيين الاستثنائيين في وقت قريب جداً الواحد تلو الآخر، ومعرفة علاقات الدعم المتبادل الموجودة في الفترة الأخيرة بين التنظيمات الغزاوية والتنظيمات السلفية التي تنشط باسم داعش في سيناء، يبرران التقدير الحذر بوجود علاقة بين حادثة إيلات وما حدث في الأيام الأخيرة في قطاع غزة.
لقد وقع إطلاق الصواريخ على إيلات، أول من أمس، قبل منتصف الليل بوقت قصير، وعلى ما يبدو أطلقت أربعة صواريخ "غراد" (كاتيوشا من عيار 122 مليمتراً) من عمق منطقة سيناء في اتجاه إيلات، وكان الإطلاق احترافياً ودقيقاً، فقد أُطلقت الصواريخ التي هي ليست دقيقة بصفة خاصة، من عمق سيناء من بعد عشرات الكيلومترات من إيلات. وعلى الرغم من ذلك، فإن ثلاثة منها كان يمكن أن تنفجر داخل مناطق سكنية. نعرف ذلك لأن "القبة الحديدية" المنصوبة للدفاع عن المدينة اعترضتها. ولم تطلق "القبة الحديدية" صاروخاً اعتراضياً على الصاروخ الرابع لأنه على ما يبدو لم يكن سيقع في منطقة سكنية.
من شبه المؤكد أن التنظيم الذي قام بإطلاق الصواريخ على إيلات هو "أنصار بيت المقدس" الذي ينشط في سيناء تحت لواء "داعش" منذ عدة سنوات. وهذا التنظيم الإسلامي- السلفي المتطرف الذي يطلق على نفسه "ولاية سيناء في داعش" يملك منظومات سلاح متطورة نسبياً وعناصره مدربون على إطلاق الصواريخ من جميع الأنواع، وقد راكموا خبرة ووسائل قتالية متطورة بتمويل من "داعش" خلال سنوات من الاشتباكات مع الجيش المصري حققوا فيها نسبة نجاح كبيرة. في وقت لاحق أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ على إيلات.
من المعروف أنه كانت هناك في الماضي علاقات وثيقة لهذا التنظيم مع "حماس" ومع "الجهاد الإسلامي" الفلسطيني ومع تنظيمات سلفية في قطاع غزة. وكان تنظيم "أنصار بيت المقدس" يرسل بغطاء من "حماس" جرحاه إلى مستشفيات القطاع، ودربت "حماس" السلفيين من سيناء، وفتحت لهم بمساعدة "ولاية سيناء" مصنعاً لإنتاج صواريخ وعبوات ناسفة. وتجري حركة التنقل من القطاع وإليه عبر أنفاق موجودة على حدود القطاع وشبه جزيرة سيناء في منطقة رفح.
بين "حماس" والسلفيين في سيناء خلاف أيديولوجي- ديني- سياسي كبير. وتلاحق "حماس" السلفيين الفلسطينيين في القطاع، حيث يتحدون سلطتها، لكن المصالح الوجودية "لولاية سيناء" التابعة لـ "داعش" والذراع العسكرية لـ"حماس" والاعتماد المتبادل بينهما تغلبا على الاختلافات. لقد اتهم نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي طوال الوقت "حماس" بالتعاون مع أعدائه - "الإخوان المسلمين" في مصر- وأيضاً مع "داعش" في سيناء؛ ولهذا السبب دمر المصريون بصورة منهجية الأنفاق التي ربطت بين سيناء والقطاع وأغلقوا معبر رفح، ولم يعد في استطاعة سكان غزة الخروج أو الدخول إلا عن طريق إسرائيل. وهذا هو السبب الذي دفع المستوى السياسي في "حماس" في الفترة الأخيرة إلى بذل جهود كبيرة من أجل تحسين العلاقات مع المصريين. وفي الأسبوع الماضي انتهت في القاهرة سلسلة لقاءات مصالحة وافق في نهايتها المصريون على فتح معبر رفح.
لكن لدى قائدي الذراع العسكرية في "حماس" يحيى السنوار ومحمد ضيف أجندة مستقلة لا تتطابق دائماً مع أجندة الذراع السياسية (اسماعيل هنية وموسى أبو مرزوق) وهم أيضاً لا يطلبون موافقتهم. لقد دمر القصف الجوي والبري للجيش الإسرائيلي الذي كان عنيفاً بصورة استثنائية منشآت عديدة للذراع العسكرية على حدود القطاع وفي عمقه. وكانت هناك رغبة في إسرائيل لأن توضح لـ"حماس" أنها لن تقبل لا الآن ولا في المستقبل بقصف بلداتها، حتى لو طال القصف مناطق مفتوحة، وحتى لو قامت به مجموعات سلفية متطرفة تريد تحدي "حماس" وتوريطها. ويمكن الافتراض أنه بعد الضربات التي وجهها الجيش الإسرائيلي أراد قادة "عز الدين القسام" الانتقام.
من الواضح في هذه الأيام أن الذراع العسكرية لـ"حماس" لا ترغب في التورط في مواجهة واسعة مع إسرائيل - مواجهة لا يرغب فيها المصريون أيضاً. ومن هنا فإن لـ"حماس" مصلحة بأن ينتقم لها آخرون، وإذا كان ممكناً ليس من أراضي القطاع. وإحدى الوسائل المتاحة لضيف والسنوار هي التوجه إلى عناصر "داعش" في سيناء والطلب منهم تقديم "خدمة" وفاء لذكرى الأيام الماضية أو تلك الآتية.
من المحتمل جداً أن هذا ما جرى وهكذا حدث إطلاق الصواريخ من سيناء على إيلات. لم يُطلق "أنصار بيت المقدس" صواريخ منذ أكثر من عامين، منذ عملية "الجرف الصامد"، في اتجاه إسرائيل. ليس لأنهم لا يرغبون في ذلك، فالعكس هو الصحيح، وقد نشر عناصر "ولاية سيناء" أكثر من مرة مقاطع فيديو هددونا فيها من بين أمور أخرى بإطلاق صواريخ، لكنهم لم ينفذوا تهديداتهم بسبب انشغالهم بالقتال ضد المصريين وعدم رغبتهم في فتح جبهة إضافية مع إسرائيل. يوجد بين إسرائيل ومصر تعاون استخباراتي، ويعلم "داعش" بذلك ومن مصلحته أيضاً ضربنا، لذا يمكن التقدير أنه عندما توجهت "حماس" إلى "الإخوة في سيناء"، "أنصار بيت المقدس"، لم يرفض هؤلاء طلبها، فالمصلحة المشتركة تشكل دافعاً قوياً.
كانت إيلات هي الهدف. لقد أراد طرف ما في غزة وعلى ما يبدو في سيناء أيضاً الترهيب والتسبب بضرر للسياحة في إيلات، لكنه في الوقت عينه أراد التحرك بصورة مدروسة بحيث لا يتسبب ذلك بتصعيد كبير في الجبهة الجنوبية. ومن يدري؟، ربما الجيش الإسرائيلي أيضاً يتصرف وفق أسلوب عمل مشابه.

عن "يديعوت"

 

نتنياهو، ترامب، والمستوطنون ..

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مأزقاً حقيقياً الآن. إنه يفضل الوضع الراهن؛ حيث تحتل إسرائيل الضفة الغربية، وتعطي لنحو 2.99 مليون فلسطيني، ممن يعيشون هناك، حكماً ذاتياً محدوداً، ولو أنه ليس دولة كاملة. لكن لوبي المستوطنين، الذي يريد ضم "يهودا" و"السامرة" (الضفة الغربية) إلى إسرائيل يشكل عنصراً حاسماً بالنسبة لائتلافه.
لذلك، حاول رئيس الوزراء استرضاء لوبي المستوطنين في نهاية كانون الثاني بالموافقة على بناء أكثر من 3.000 منزل جديد، والتي سيتم إنشاؤها بشكل رئيسي في أحياء القدس الشرقية و"الكتل الاستيطانية" الكبيرة التي يُتوقع أن تكون جزءاً من إسرائيل في أي اتفاق سلام مستقبلي. لكنه حقق نجاحاً جزئياً فحسب على هذا الصعيد، حيث اشتكت إحدى منظمات المستوطنين المهمة مباشرة من أنه كان يجب أن يصدر تفويضاً ببناء مبان أكثر بكثير.
مثل معظم الحكومات الأخرى، تحاول حكومة إسرائيل أيضاً أن تخمن ما هي أولويات السياسة الخارجية لدونالد ترامب، وكيف يمكن أن تؤثر تلك الأولويات على حساباتها المحلية. وجاء أحد المؤشرات على التحوُّل يوم 24 كانون الثاني، عندما رفض البيت الأبيض التعليق على خطط الاستيطان الجديدة في بداية الأمر. وفي الماضي، كانت مثل هذه التحركات تُقابل بإدانة أميركية تلقائية باعتبارها عقبات في طريق السلام. ومع ذلك، كانت للعلاقة المتوترة مع الرئيس السابق، باراك أوباما، فوائدها أيضاً -كانت بمثابة عذر مثالي يستخدمه نتنياهو لكبح حماسة شركائه في الائتلاف لفكرة البناء الاستيطاني الواسع والضم. والآن، أصبح المستوطنون على قناعة بأن ترامب سوف يسمح لهم التصرف بأيدٍ طليقة.
أحد الأسباب لعدم اليقين السائد في القدس هو الرسائل المتعددة والمتعارضة التي تصل إليها من واشنطن. ولدى المستوطنين دعم واضح من أعضاء في دائرة الرئيس ترامب الداخلية، خاصة سفيره الجديد إلى إسرائيل، ديفيد فريدمان، الذي يترأس منظمة تجمع الأموال للمستوطنات. ومع ذلك، فإن بعض أصحاب التعيينات الأخرى المهمة، بما فيها وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، كانوا حذرين، حتى الآن على الأقل، في عدم الإلماح إلى أي تغيير مهم في السياسة الأميركية. وقد حث نتنياهو وزراء حكومته على تجنب القيام بتحولات كبيرة عن السياسة القائمة إلى أن تصبح الأمور أكثر وضوحاً.
وهناك مثال آخر هو سياسة الإدارة الجديدة المتعلقة بنقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. فمثل معظم الدول، ظلت الولايات المتحدة مترددة في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل حل المطالبات المتعارضة بالمدينة في اتفاق نهائي للسلام. ومع ذلك، وعد ترامب في سياق حملته الانتخابية بنقل السفارة إلى القدس، في خطوة من شأنها إثارة غضب الرأي العام العربي. ومنذ الانتخابات، قال أعضاء من حاشيته لمسؤولين إسرائيليين إنه يخطط إلى المضي قُدماً بهذه الخطوة، لكن المتحدث باسم البيت الأبيض قال في 22 كانون الثاني فقط: "نحن في المراحل المبكرة جداً حتى نناقش هذا الموضوع". كما تلقى القادة الفلسطينيون أيضاً رسائل سرية بأن السفارة لن تنتقل في الوقت الحالي. والمؤكد الوحيد هو أنها ليست لدى إدارة ترامب حتى الآن سياسة مستقرة نحو إسرائيل والفلسطينيين.
من المقرر أن يتلقي نتنياهو بالرئيس الأميركي الجديد في واشنطن، هذا الشهر. وسوف تكون أولويته هي استغلال فرصة قدوم إدارة أكثر تقبلاً لفكرة إعادة تنشيط المعارضة لمحاولات إيران تحقيق الهيمنة الإقليمية. كما أنه ربما يسعى أيضاً إلى الحصول على مساعدة الرئيس في كبح جماح العنصريين اليمينيين الذين لديه في الوطن.

عن "الإيكونوميست"

 

 

نتنياهو يمارس التطهير العرقي ضد الفلسطينيين

بقلم: إيفلين هيكت – غالينسكي*

بعد أن صادق الكنيست الإسرائيلي على تشريع مستوطنات يهودية بنيت على أراض فلسطينية مسروقة، يقترب التصور الصهيوني لـ«إسرائيل الكبرى» من أن يصبح واقعاً.
هذا التصور تعزز خصوصاً منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، ما يشكل دعماً لحملة التطهير العرقي، التي تشنها حكومة بنيامين نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني حتى تكون «الحل النهائي» لتهويد كل فلسطين.
وتصور الحركة الصهيونية لـ«إسرائيل» الكبرى» لا يمكن تحقيقه إلا من خلال فرض رؤيتها لليهودية، واستغلال الرواية التوراتية من أجل شرعنة الادعاء بملكية «الأرض الموعودة» باعتبارها ملكاً حصرياً لليهود. ومنذ إقامتها وإسرائيل تسعى لتهويد الأرض المقدسة من خلال القتل والتدمير بأساليب وحشية. والإعلانات المتتالية عن مستوطنات جديدة أصبحت الآن حدثاً شبه يومي دون صدور حتى أي احتجاج شكلي من قبل إدارة أميركية جديدة تضم الكثير من المحافظين الجدد الصهاينة.
وأود التشديد على ضرورة تذكر ما كان يحدث على مدى سنين، وهي تلك الحملة المستمرة منذ نحو 70 سنة، والهادفة إلى تهجير وتطهير عرقي وحشيين للفلسطينيين من أجل إفساح المجال لاحتلال غادر وغير شرعي من قبل المستعمرين اليهود الصهاينة.
إن التاريخ الطويل للاستعمار، الذي مارسته «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» لهو تاريخ مرعب، خصوصاً وأنه الآن يحظى بدعم من قبل رئيس أميركي لم يضع أي وقت من أجل تقويض كل المبادئ والقيم الديمقراطية. وهذا الدعم الرئاسي الأميركي شجع تسريع البناء الاستيطاني بشكل غير مسبوق.
وأحد القلائل جداً الذين أسعدهم وصول ترامب إلى الرئاسة الأميركية هو نتنياهو، الذي كان أيضاً الوحيد في العالم الغربي الذي رحب بمشروع ترامب لبناء جدار على الحدود مع المكسيك، وقراره التمييزي ضد اللاجئين المسلمين. وعندما يتعلق الأمر ببناء جدران فصل، والتعدي على الأراضي الفلسطينية، فإن إسرائيل هي البطل بلا منازع للفصل العنصري.
وقد وجد يهود هاربون من الاضطهاد النازي ملاذاً في بلدان عديدة، بما فيها الولايات المتحدة، التي أصبحت أكثر من أي بلد آخر وطناً لملايين من المهاجرين واللاجئين المضطهدين، بمن فيهم والدة دونالد ترامب الإسكتلندية، إلا أن المسؤولين الجدد في البيت الأبيض مثل المستشار جاريد كوشنر (صهر ترامب) وديفيد فريدمان المعين الآن سفيراً لدى إسرائيل وغيرهما تناسوا هذا الواقع.
إن ما يحتاج إليه الفلسطينيون اليوم هو تحالف يلتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفلسطين تحتاج أيضاً إلى حركة حقوق مدنية عريضة قادرة على النضال من أجل تنظيم انتخابات جديدة لإقامة دولة فلسطينية حرة تكون عاصمتها غير مقسمة. وعندئذ فقط يمكن نقل السفارات، وليس الآن؛ حيث سيشكل ذلك استفزازاً من قبل تحالف إدارة ترامب واليمين الأميركي ونظام نتنياهو.

عن موقع «إنفورميشن كليرينغ هاوس»
*ناشطة يهودية ألمانية مناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني وعضو في منظمة «يهود أوروبيون من أجل سلام عادل».


محاولة الفصل بين بوتين والأسد لن تجدي نفعاً

بقلم: ماكس بوت*
قد تبدو خلافاتنا السياسية تافهة عند مقارنتها بما تكشف عنه الحرب السورية، خاصة بعد أن أصدرت منظمة العفو الدولية، مؤخراً، تقريرا مرعبا كشفت فيه عن إعدام 13 ألف معارض سوري في سجن واحد، والمعروف باسم صيدنايا في الفترة الممتدة بين سنة 2011 و2015.
وورد في التقرير ما يلي: "مرة وغالبا مرتين في كل أسبوع، يتم اقتياد 20 إلى 50 شخصا خارج زنزاناتهم ليتم شنقهم في الليل". وقد قُتل معظمهم "بعد أن تم تعذيبهم مرارا وتكرارا. وبعد أن تم حرمانهم من الأكل والماء والدواء والرعاية الطبية. ومن الصعب قراءة تفاصيل التعذيب والضرب، حيث ذكر التقرير أن "جثث أولئك الذين قُتلوا يتم نقلها بالشاحنات كي يدفنوا في مقابر جماعية. ومن غير المعقول أن تتم هذه الممارسات على نطاق واسع دون تفويض أعلى من الحكومة السورية بأعلى مستوياتها".
وهذا ليس تاريخا قديما، إنما يحدث ذلك اليوم، "وحتى يومنا هذا، لا زال المعتقلون يُنقلون إلى سجن صيدنايا، ولا زالت "المحاكمات" في محكمة الميدان العسكرية في حي القابون مستمرة. لذلك، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الإعدام قد توقف".
وبالطبع، فإن ما يحدث في صيدنايا ليس سوى جزء بسيط من جرائم الحرب التي كُشف عنها في سورية. فبعد المجازر في حلب، يبدو أن اهتمام القوات الجوية الروسية تحول إلى مدينة إدلب، حيث نقلت وكالة رويترز أن "30 شخصا على الأقل قُتلوا في غارات جوية، الخميس قبل الماضي، في إدلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة، ضمن أعنف الغارات الجوية منذ أشهر".
وفي الحقيقة، فإن ما لا يقل عن 400 ألف سوري لقوا حتفهم، فيما اضطر 11 مليونا للنزوح أو للهجرة منذ سنة 2011. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الأعمال الوحشية تُرتكب من قبل نظام الأسد ومساعدَيه؛ روسيا وإيران. وهؤلاء هم من يستحقون نصيب الأسد من الازدراء بسبب هذه الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان.
لكن يجب أيضا على الولايات المتحدة وبقية "العالم المتحضر" أن يتحملوا نصيبا أقل من اللوم، بسبب تورطهم في هذه المذبحة. ويرجع ذلك لتردد أوباما، الذي توعد بوقف الأعمال الوحشية، إلا أن فشل عملية التدخل في ليبيا جعله يرفض التورط في سورية. ولذلك فإن حمام الدم السوري سيبقى وصمة عار دائمة لرئاسة أوباما، تماما مثل البوسنة، التي كانت ستصبح وصمة عار لبيل كلينتون قبل أن يتدخل لوقف أعمال العنف.
لكن أوباما غادر منصبه، وتحصل هذه المذابح الآن على مرأى من دونالد ترامب، الذي شأنه شأن أوباما، لا يظهر أي نية لفعل أي شيء من أجل وقف المذابح الجماعية. لكنه على عكس الرئيس الأميركي السابق، فإنه يزيد الطين بلة من خلال الإيحاء بأن روسيا التي تساعد وتحرض الأسد على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ليست مذنبة بقتل الأبرياء أكثر من الولايات المتحدة، التي قد تلتجأ للعنف من أجل حماية عملياتها العسكرية.
وفي الحقيقة، فإنه يبدو أن بعض أعضاء إدارة ترامب المشابهين لتاليران واقعين تحت سيطرة السراب الذي أوقع بمن سبقهم؛ وهو الأمل. وكما قال جاي سولومون من صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإنه بإمكانهم، بطريقة أو بأخرى، حث بوتين على وقف دعمه للأجندة الإيرانية، بما في ذلك دعم بشار الأسد. ونظرا إلى أن بشار الأسد هو أيضا حليف لروسيا منذ وقت طويل، ولطالما وفر لها قواعد عسكرية في الشرق الأوسط، ونظرا إلى أن إيران تعد زبونا مهما لسوق الأسلحة الروسية، فإنه من الصعب معرفة ما يمكن أن يحفز بوتين لتغيير مواقفه. ومن المؤكد أن أوباما لا يمكنه أن يحفز بوتين لدعم الأجندة الأميركية. لكن ربما سيعمل ترامب على رفع جميع العقوبات والتخلي عن الملف الأوكراني (وربما غيرها من دول أوروبا الشرقية). لا شيء مستحيل، لكن حتى إن لم يكن هذا الأمر غير أخلاقيا، فإنه يبقى غير عملي. ولن تكون هناك جدوى من محاولة تحفيز روسيا، خاصة بعد أصبح تدخلها حاسما في عدة معارك فاز بها الأسد.
حتى وإن تراجعت روسيا الآن وتخلت عن سورية، فإن الأسد سيبقى في السلطة وسيواصل ارتكاب المجازر. أما إيران فإنها تواصل جني أموال طائلة من خلال بيع النفط، وإن لم توفر لها روسيا الأسلحة، فإن الصين ستقوم بذلك. وبالتالي، فإن التهديد الإيراني ربما لن ينتهي مهما فعلت روسيا. وكانت إدارة ترامب قد تحدثت أيضا عن إنشاء "مناطق آمنة" في سورية لكي يتمكن اللاجئون من العودة إلى وطنهم. وبالفعل، فقد ناقش ترامب هذا الأمر مع ملك المملكة العربية السعودية وولي عهد أبو ظبي، اللذين أعربا عن دعمهما لهذه الفكرة.
لكن تجدر الإشارة إلى أن أوباما كان قد حاول تنفيذ نسخة مشابهة لهذا المخطط في شمال سورية، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، لسبب بسيط جدا، وهو أنه لا توجد أي قوات على الأرض بإمكانها حماية المناطق الآمنة، فليس للمعارضة قوات تستطيع القيام بذلك. ولا يبدو أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على استعداد لنقل قواتها لسوريا. وحتى وإن فعلا ذلك، فإنهما لن يحققا أكثر مما حققاه في اليمن.
هل سترسل الولايات المتحدة قواتها البرية من أجل تدخل إنساني خالٍ من أي "استراتيجية خروج" واضحة؟ نظرا لنظرية ترامب القائمة على فكرة "أميركا أولا"، فإن هذا أمر مشكوك فيه. عوضا عن ذلك، يبدو أن ترامب عازم على جعل محاربة تنظيم الدولة قضية مشتركة بينه وبين روسيا، وهو العذر ذاته الذي تستغله روسيا لتبرير قصف المدنيين. وبالتالي، يبدو أن هذه الإدارة ستبقى مترددة، بينما يستمر القتل في سورية.

عن موقع "كومنتري"
*زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب "جيوش غير مرئية: ملحمة التاريخ من حرب العصابات في العصور القديمة إلى يومنا هذا".

 

ماذا يريد الغرب وموسكو من حفتر؟

بقلم: باتريك وينتور
يجرّب دبلوماسيون أوروبيون محاولة أخيرة لإثناء روسيا عن مساعدة اللواء خليفة حفتر في السيطرة الكاملة على مقاليد القوة العسكرية في ليبيا.
وقد طلب حفتر، القائد العسكري بحكومة ليبيا الشرقية، مساعدة موسكو في قتال تنظيم داعش، إلا أن دبلوماسيين أوروبيين يخشون من إمكانية انضمامه إلى ما وُصف بمحور فلاديمير بوتين من الدكتاتوريات العلمانية في الشرق الأوسط، إلى جانب الرئيس السوري، بشار الأسد، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
ويأمل الاتحاد الأوروبي بدلاً من ذلك في أن تسعى روسيا - ربّما بالتحالف مع الولايات المتّحدة - إلى إقناع حفتر بالموافقة على دورٍ عسكري معزّز، لكن تحت قيادة مدنية، وداخل حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتّحدة التي تأسست في كانون الأول 2015.
وتسعى روسيا، في ذروة نجاحها في سورية، إلى توسيع رقعة نفوذها في الشرق الأوسط. يراقب الدبلوماسيون الوضع ليروا ما إذا كانت روسيا ستُشارك مشاركة بناءة في ليبيا، أم ستسعى فقط إلى دعم حفتر وإحباط جهود الأمم المتّحدة المضنية لدفع الفصائل الليبية المتعدّدة إلى الوصول لتسوية.
ومن ناحية أخرى، احتفت موسكو المتعطّشة لاستعادة استثمارات النفط والبنية التحتية المفقودة في ليبيا، بحفتر، كما اعتنت بجنوده المصابين.
الأزمة ملحّة في الوقت الذي يحتاج فيه الاتحاد الأوروبي إلى حكومة فاعلة لتعمل على التحكّم في تدفق قوارب اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسّط.
وفي رهانٍ لاختبار النوايا الروسية، من المقرر أن تعقد الحكومة الإيطالية - الدولة الأوروبية الرائدة في ليبيا - جولة ثانية من المفاوضات مع روسيا من أجل إقناع موسكو بأن عسكرياً منفرداً بالسلطة، وبالأخص حفتر، ليس حلاً ناجعاً لصدمة الفوضى الليبية.

إشارات إيجابية
وقال وزير الخارجية الإيطالي، أنجيلينو ألفانو، إن هناك إشاراتٍ إيجابية بالفعل تأتي من الحوار مع الكرملين، وإنه سيلتقي نظيره الروسي، سيرغي لافروف، لمرة ثانية في السادس عشر من شباط الجاري في بون الألمانية.
وسيُناقَش الدور الروسي في ليبيا كذلك في المحادثات بين رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتيلوني ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في لندن، حيثُ سيُناقشان أية تسوية يُمكن صياغتها، إن وُجدت، من أجل منح حفتر دوراً في حكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس. في حين فقد العديد من الليبيين إيمانهم بقدرة حكومة الوفاق على الوفاء بالأساسيات مثل البنوك العاملة والكهرباء.
وفي السياق ذاته، فشلت حكومة الوفاق الوطني غير الفاعلة، في محادثات تصالحية متكررة بإشراف من الأمم المتّحدة، حتى الآن في الوصول إلى تسوية سياسية مع خصومها المتمركزين إلى الشرق في طبرق، وأبرزهم حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي.
وقال حفتر على مدار نهاية الأسبوع إنه يعتقد بأن أجندته لمكافحة الإرهاب ستحصل على استجابةٍ إيجابية، الآن، من دونالد ترامب. واحتمالية تلقي الدعم المشترك من الولايات المتّحدة وروسيا بالكاد ستُفضي إلى أي تنازلٍ من جانب حفتر.

تسوية سياسية

لكن مصادر في الاتحاد الأوروبي ما زالت تعتقد أن الولايات المتّحدة وروسيا كلاهما يُمكن إقناعه بالبحث عن تسوية سياسية تجمع بين شرق وغرب البلاد.
وقد صرّح المبعوث الخاص إلى سورية، مارتن كوبلر، الأربعاء الماضي، في تقريرٍ إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، بأنه واثقٌ بإمكانية الاتفاق على صيغة خلال أسابيع لإجراء تعديلات على الدستور الليبي تتضمّن دور حفتر. والتحدّي هو في السماح لحفترٍ بلعب دورٍ رفيع في قوات الدفاع الوطنية، لكن مع وضع خطٍ أحمر يُخضعه للحكم المدني.
كريسبين بلانت، رئيس لجنة الشؤون الخارجية المختارة، هو واحدٌ من الأصوات البريطانية التي تحثّ الولايات المتّحدة على عدم الانسياق خلف خرافة الرجل القوي.
وقد قال بلانت: "يحتاج حفتر إلى أن يكون جزءاً من الحل، لكن الاقتراح بأنّه هو الحل؛ يتهاوى عندما يُعرض على الحقائق في ليبيا. إنّه رمزٌ مسبب للانقسام، وهذه الحقيقة أكثر من مجرد حقيقة غير مناسبة يُمكن المراوغة فيها".
هناك بعض الإشارات إلى أن نسخة من هذه الرسالة التي يوصّلها مسؤولو الاتحاد الأوروبي تصل إلى واشنطن. في محاورة هاتفية في نهاية الأسبوع شجّع ترامب جينتيلوني على الاستمرار في سياسته تجاه ليبيا. كما حث المبعوث الخاص الخارجي الأميركي إلى ليبيا، جوناثان واينر - ترامب على عدم دعم حفتر.
رحّب بوريس جونسون، وزير الخارجية البريطاني، الأسبوع الماضي، بالمناقشات مع روسيا حول دورٍ مستقبلي لحفتر في ليبيا. وقال: "ما زلنا نأمل في أن الجنرال حفتر يُمكن إقناعه بإمكانية أن يكون جزءاً كبيراً من مستقبل ليبيا، لكن دون شريطة أن يكون زعيماً جديداً".
في حين وافق الاتحاد الأوروبي، معتمداً بشكل كبير على الدبلوماسية الإيطالية، على خطة طموحة تقطع تدفّق اللاجئين عن طريق البحر، تتضمّن استعمال قوات خفر السواحل الليبية في إعادة السفن. وترغب إيطاليا أيضاً في إيقاف طرق التهريب بمحاذاة الحدود الليبية الجنوبية مع النيجر وتشاد.
وقد بدأ الهجوم على خطة الاتحاد الأوروبي بالفعل من قِبل جمعيات خيرية تخشى تخطيط الاتحاد الأوروبي إرسال المهاجرين إلى معسكرات احتجاز غير آدمية في ليبيا بما يخرق القانون الدولي. ورفض البرلمان المتمركز في طبرق الاعتراف بصفقة الاتحاد الأوروبي، وحتى كوبلر قد حث على توخّي الحذر من حالة المعسكرات الليبية.
وستحدد الأسابيع القليلة القادمة ما إذا كانت خطة الاتحاد الأوروبي ستنجح، أو أنّ عصا القيادة ستُسلّم إلى فريقٍ مختلفٍ في واشنطن وموسكو.