إن حرية الكلمة وصونها هو من أساسيات العمل الديمقراطي، والاهتمام بالأدب والثقافة يجب أن يكون بنفس القدر الذي يتم الاهتمام فيه بالسياسة كما الاقتصاد.
وان رأينا التراجع في ذلك الاهتمام حيث يقف المفكر والأديب والمثقف على خلفية الصورة ويتقدمها السياسي وصاحب الدرهم والدينار فلك في ظل هذه الصورة أن ترى المجتمع يتدهور ثقافة وفكرا بل وقيما إلى النمط الاستهلاكي منعدم القيم.
لطالما ثار اللغط حول رواية أو كتاب أو رسم هنا أو هناك، منها ما تعدى على الذات الإلهية أو تعدى على الرسل، ومنها ما اشتمل على دعوات صريحة للبذاءة والفسق والدعارة تحت مسمى حرية الرأي وتحت مسمى خادع هو الإبداع وما هو إلا مخاطبة للشهوات أو دعوة صريحة لنقض قيم المجتمع.
يتعلل الكثير من داعمي الإبداع ومنه "الداعر"-إن جاز أن يكون هناك أصلا أدب بذيء أو داعر- بأن الشابكة (=الانترنت) تمتلئ بهذه الترهات والخربشات، وهي موجودة في الأدب أو التراث العالمي ومنه في التراث العربي الإسلامي.
على صحة توفر خربشات الحض على البذاءة بالتراث والشابكة، فلا يعني ذلك مطلقا أننا نقرها! أو ندعو لنشرها، فأنت تجلس اليوم في بيتك وتمطر عليك الفضائيات بما هب ودب، لكنك حفاظا على ذاتك وأسرتك ودينك وقيمك تتخير بحرية وتقبل وترفض، وكذلك الأمر أنت في المدرسة وفي المجتمع فلا تسهّل أبدا الفاحشة والبذاءة أو شتم الأنبياء والمرسلين والتعهير بالأديان تحت بند الحرية كما فعلت بعض الصحف المسيئة للإسلام في أوربا وغيرها، وكما تلجأ بعض الكتب التافهة لأن تلقي بنفسها بسوق الكتب المتداعي لعلها تجد موضعا أو قدما ولكن هيهات. (لا حظ الفرق بين الفسوق والفجور)
يدور الجدل في كثير من المنتديات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي حول أمر أوموضوع ما، وتتابع التعليقات والمشاركات على فرضية صحة المكتوب ما هو خلبي وكاذب أو لا أصل له أحيانا، ويتم قولبة الأفكار لركاب هذه الوسائل بحيث تخاطب غرائزهم أو احتياجاتهم الاستطلاعية النهمة -دون معرفة أوعلم بمضمون الخبر أو الفكرة أو الموضوع التي لو علموها لصعقوا- بمنطق المجاراة والمسايرة، والاشباع للرغبات، والتعليق والمشاركة المظهرية، وكأن المطلوب من الكل أن يثبت نفسه فضائيا، فيحس بكيانه ودوره ووجوده!وأنه اتخذ رأيا حتى دون أن يعلم أو يكلف نفسه أن يتحرى ويعلم فيما هو يناقض فيه نفسه، وذلك بمنطق استهلاكي اعلاني فظيع قاتم النهاية.
إن الفكر والثقافة والأدب لا يقبل بالبذاءة والفجور، ولا يعدها خيارا حتى لو كان على الشابكة مئات الآلاف من المواقع المخلة بالأديان أو الأدب واللياقة القيمية والخلقية العالمية، وهي المخلة قطعا بالقيم الإنسانية الشاملة لكل الأديان، فلا يجب أن نكون دعاة رذيلة وندعي أننا الفضلاء.
فنحن في فلسطين لا نقبل أبدا التعدي على القيم الدينية لأي دين كان مسيحي أو إسلامي بيننا، ولا على الأنبياء، ولا نروّج لذلك، ولا نقبل ما هو "أدب البذاءة" أو تشجيع الدعارة والعهر الفكري مطلقا، فليتق كل منا الله في عمله وفكره ومجتمعه ولا ينساق وراء الترهات والبذاءات أبدا، فدور المثقف والكاتب والمبدع هو إجلال الحرية برفع سوية الذوق العام وحراسة القيم الأصيلة وتكريس الأدب بمعناه التحفيزي للعمل والإبداع وما سوى ذلك غثاء.