فيلم "مروان البرغوثي" انجاز كبير بطعم ولون الوطن

فيلم "مروان البرغوثي" انجاز كبير بطعم ولون الوطن
حجم الخط

ما كان لفيلم" مروان" الذي انتجته شبكة معاً الإعلامية ان يرى النور، بمعزل عن قرار جدي اتخذ بإرادة ثلاثة من القائمين على هذه المؤسسة الإعلامية الرائدة وأغني مدير عام الشبكة ورئيس التحرير ومدير عام الفضائية، بمعنى ان القرار انسجم معالدور الإعلامي لمؤسسة فلسطينية، بأبعاده النضالية والتأريخية والتوثيقية.

 

لقد جاء انتاج الفيلم متأخراً، هكذا قال الإعلامي "د.ناصر اللحام في حفل الافتتاح، وقصد بذلك ان قائداً بحجم البرغوثي، تستحق تجربته التأريخ والتعميم لما تحمله من عنفوان وطول نفس وتشبث بالموقف، فالانسان موقف وقضية على رأي الكاتب الشهيد غسان كنفاني، لكن الفيلم الوثقائقي في المحصلة النهائية، رأى النور، مؤكداً أن تصل متأخراً أفضل من ألا تصل أبداً".

 

صعوبة الفيلم أن البطل غائب، ولا يستطيع الوقوف أمام الكاميرا، أو ليس بمقدور الكاميرا تتبع حركة فعله في الحاضر بسبب الاعتقال، في المقابل فان سهولة تنفيذ الفكرة، استندت إلى حقيقية أن في غيابه حضور مكثف، لاسيما والبرغوثي أصبح شخصية معروفة لا على مستوى وطني وقومي فقط وإنما في الفضاء الأممي.

 

لقد تطلب انتاج الفيلم جهداً في جميع المواد الأرشيفية وتنقيحها وترتيبها زمنياً وفي اجراء المقابلات والشهادات مع الشخصيات التي واكبت البرغوتي وعرفته عن قرب، الا ان عملية جمع المواد الأرشيفية اصطدمات بفقر الصورة المتحركة، بخاصة في مرحلة مهمة من حياة البرغوثي، أي فترة نشاطه وصعوده حينما كان طالباً في جامعة بيرزيت، حيث تم استعمال بعض الصور الفوتوغرافية القليلة والنادرة، لكن القائمين على الفيلم خرجوا من هذا المأزق بذكاء عندما وظفوا صوراً ولقطات أرشيفية شعبية نضالية عامة، وقد شكل هذا مبرراً فنياً ونضالياً، فالبرغوثي لم يعطِ ويقدم من فراغ أو في فراغ، فهو ابن لشعب انتفض وناضل، وبالتالي برزت العلاقة الجدلية بين الخاص والعام، لأن كل الصور العامة تعبر عن كل إنسان فلسطيني يقبض على جمر القضية، وكل الصور الشخصية هي حلقات في سلسلة مرحلة معينة من عمر القضية ذاتها.

 

أن تعج قاعة الهلال الأحمر بهذا الحشد الكبير وربما غير المسبوق في متابعة فيلم يعني أمرين:

 

الأول. أن البرغوثي شخصية وطنية جامعة.

 

الثاني. ان تجميع الناس حول عمل معين يحتاج إلى مبادرة، ويحتاج إلى قيام مؤسسة ما بتعليق الجرس أو الضرب بقبضتها على جدران الخزان، وهذا ما فعلته "معاً".

 

الفيلم في رأيي حقق على المستوى التأريخي مجموعة من الأهداف منها على سبيل المثال لا الحصر، ارسال رسالة إلى العالم مفادها أن رجلاً خرج من بيننا مطرزاً بحلمنا ولهفتنا للتحرر والاستقلال، ما زال قابعاً في الأسر يتغذى على الأمل ويتقوى بالأمل، ثابتاً على ما آمن به وضحى من أجله.

 

أما الهدف الثاني، فيتمثل في التأريخ، بخاصة ونحن نعاني منذ زمن طويل تقصيراً في تأريخ وتوثيق مراحلنا النضالية، حيث ضاع وفقد الكثير، وبالتالي فان التنبه لهذا الجانب الآن وفي هذا التوقيت، يؤكد اننا بدأنا في الامساك بحلقة لم نمسك بها كما ينبغي، أي حلقة التوثيق، فيما الهدف الثالث تم التعبير عنه في أكثر من موقع في الفيلم، وهو ان الفلسطينيين شعب لم يعتدِ على أحد ولم يستهدف أية جهة، وكل ما يطلبه ليس خارجاً عن سياق التاريخ ولا يتناقض مع الطبيعة البشرية منذ ان شقت طريقها إلى الحياة، وكل ما يطلبه يمكن اختصاره في دولة وحرية ومكان لائق تحت الشمس.

 

ما لفتني في هذا العمل روح التصميم على الإنجاز، وإرادة تحقيق ما يسلط الضوْء على القضية، ولفتني أيضاً التعليق الذي كتبه د.ناصر اللحام ونقله كلامياً بصوته، في اختيار دقيق للمقاطع الكلامية المكثفة، فنجحت الكلمة في تأليف صورة مكملة أو معوضة عن الصورة الغائبة، وتمنيت لو طال التعليق وأخذ مساحة أوسع من تلك التي أخذتها المقابلات والشهادات، لأنها طالت في بعض المواقع، في المقابل أحببت لو تنوعت المقابلات وتعددت وشملت آراء مواطنين عاديين من شرائح مختلفة حول البرغوثي ودوره، أما الأغاني والموسيقى فقد كانت موفقة وفي مكانها، وفي الإطار الذي خدم المادة التوثيقية.

 

ولأن الوصول إلى مروان في معتقله كان ضرباً من ضروب المستحيل، وددت لو كانت هناك إشارة وبصوت د.اللحام ولغته الجزلة إلى بعض المواقف من كتاب البرغوثي "الف يوم في زنزانة العزل"، ففي الكتاب مادة خاصة وغير مسبوقة، كنت تناولتها قبل بضع سنوات في مقال تحليلي للكتاب المذكور.

 

لا عمل أدبي أو سينمائي أو وثائقي أو أكاديمي، يصل إلى مرحلة الكمال، فنحن بشر ننجح في الإمساك بحلقات معينة وتفلت منا حلقات أخرى، لكن الحلقات التي تم الامساك بها في هذا الفيلم كثيرة ومتعددة وغنية وحققت جملة من الأهداف التي ذكرت بعضها، بيد أن الذي يهمني ان يكون هذا الجهد التأريخي فاتحة لأفلام أخرى تتبارى المؤسسات الإعلامية في تنفيذها، فـ"معاً" اشعلت الضوء الأخضر وقدمت مبادرة تحسب لها مهنياً ووطنياً، لتذوق حلاوة النجاح بحضور جماهيري وقيادي جسّد مشهداً غاب في السنوات الأخيرة عن قاعاتنا واجتماعاتنا، وهذا يمكن اعتباره المكافأة الفورية المباشرة الأولى لنجاح يستحق أن نحتفى به.