يبدو أن نهاية المستقبل السياسي لنتنياهو قد اقتربت كثيراً، حيث تكثفت مؤخراً عمليات التحقيق معه من قبل الشرطة الإسرائيلية حول قضايا فساد تخصه وتخص زوجته سارة، تمحورت حول هدايا فاخرة، عطور وشمبانيا وسيجار فاخر ومجوهرات وحلي قدمت لهما من رجال أعمال في إطار منافع ومصالح مشتركة، وهذا التحقيق المكثف قاد الشرطة الى رفع توصية للقضاء بفحص إمكانية محاكمة نتنياهو وتقديمه للعدالة، وهذه المحاكمة لنتنياهو إذا ما جرت ستضع حداً لمستقبله السياسي، كما وضعت عمارة «هولي لاند» في القدس حداً للمستقبل السياسي لسلفه أولمرت، والتي على خلفية تلقيه رشاوى في بنائها يقبع خلف جدران السجن، والفرص والاحتمالات كبيرة بأن ينضم إليه نتنياهو في القريب العاجل.
ولعل الإدارة الأمريكية السابقة، إدارة أوباما، هي من فتحت النار على نتنياهو الذي تعامل معها بغطرسة وعجرفة وعنجهية، وبالذات مع أوباما وكيري، وقد ردت الإدارة الأمريكية على ذلك، بالسماح بتمرير قرار مجلس الأمن الدولي(2334) الخاص باعتبار الاستيطان غير شرعي في القدس وباقي الضفة الغربية ودعوة حكومة الاحتلال الى وقفه، من أجل تعميق أزمته السياسية في الائتلاف الحكومي، وتحميله المسؤولية عن تدهور علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وخصوصاً بأن ذلك ترافق مع فضيحة الغواصات الألمانية، حيث يتهم مقربو نتنياهو بتلقي رشاوى فيها، حيث أن محاميه الشخصي ديفيد شمرون، هو وكيل رجل المال والأعمال اليهودي ميكي غانور ممثل مجموعة "ثيسنكروب مارين سيستمز" الألمانية التي تتولى بناء تلك الغواصات، لتتوالى الفضائح بعد ذلك في ملفات فساد له ولزوجته سارة مع رجال أعمال ومالكي صحف إسرائيلية.
المواطنون الاسرائيليون والأحزاب الإسرائيلية يراقبون ويتابعون عن كثب التطورات في قضايا فساد نتنياهو وزوجته، وجرت أكثر من مظاهرة مطالبة برحيله، في حين الأحزاب الإسرائيلية بدأت بالإعداد الى مرحلة ما بعد نتنياهو،على اعتبار ان إدانته وسجنه ستقود الى انتخابات إسرائيلية مبكرة، فزعيم البيت اليهودي "نفتالي بينت" والذي اعتقد انه صاحب الحظ الأوفر في خلافة نتنياهو،حيث بدا بالعمل على تشكيل كتلة يمينية تشق طريقه نحو رئاسة الوزراء، وفي ظل مجتمع إسرائيلي يشهد انزياحات كبيرة وغير مسبوقة نحو اليمين والتطرف، فإن بينت سيكون الأكثر تعبيراً وخدمة لمصالحه ومشاريعه وقضاياه، وخاصة جمهور المستوطنين، في حين لا أرى بأن قوى المعسكر الصهيوني ك"لبيد" زعيم حزب" يوجد مستقبل" أو "تسيفي ليفني" من المعسكر الصهيوني سيكون لهما حظوظ كبيرة في تولي رئاسة الوزراء في دولة الاحتلال.
رئيس وزراء ثان قد يطيح به الفساد من الحكم ويقوده الى السجن في دولة الاحتلال، رغم أن الخدمات التي قدماها للدولة، ولمجتمعهما الصهيوني، في كل المجالات والميادين كبيرة جداً، وكان همهما وحلمهما الحفاظ على دولة الاحتلال قوية ومستبدة في المنطقة، بالمقابل يتعامل حكام عرب مع شعوبهم على انهم رعاع أو عبيد، يمارسون كل أشكال القمع والبطش والتنكيل بهم ولا يشاركونهم لا في السلطة ولا في القرار، ولا نمو ولا تنمية اقتصادية، بل ثروات وخيرات بلدانهم تنهب وتسرق من قبل فئة قليلة من الحكام والدوائر الأميرية والعشائرية والقبلية المحيطة بهم، وأمن بلدانهم مستباح من قبل قوى خارجية، ولا أحد يجرؤ على مجرد التلميح وليس التصريح عن فسادهم وبذخهم وحجزهم لشواطىء كاملة وفنادق بمليارات الدولارات لراحتهم واستجمامهم في البلدان الغربية، في حين شعوبهم تئن تحت وطأة الفقر والجوع.
ما يسمى ب"ثورات الربيع العربي" كشفت عن عمليات نهب بمئات المليارات وأرصدة لحكام عرب منهوبة من أموال شعوبهم تعجز الكمبيوترات عن عدها وحسابها.
ولعل ما نشر عن أرصدة لحكام العراق بالمليارات في البنوك الأمريكية والتي سيضع الرئيس الأمريكي يده عليها، تكشف عن حالة تعفن وفساد تعيشها أغلب الأنظمة العربية، بحيث أن الأموال المسروقة والمنهوبة من قبل من حولوا دولهم الى ممالك وإقطاعيات خاصة بهم وبأسرهم المالكة، تكفي لتحويل العالم العربي الى جنة الله على أرضه، وفي مصاف الدول المتقدمة والمنتجة في كل المجالات والميادين.
القيادات والزعامات العربية لا يسقطها لا الفساد ولا التعفن ولا حتى الخيانات العلنية. صحيح بأن الشعوب تعاني من اضطهاد وقمع وغياب للديمقراطية والحريات وافتقارها للوعي،ولكن تلك الشعوب وما يسمى بالقوى المعارضة للأنظمة، هي تتحمل مسؤولية كبرى في هذا الجانب، فهي غير مستعدة للتضحية في سبيل حريتها وتحسين شروط وظروف حياتها، وكنس الأنظمة الفاسدة، فالشعوب والأحزاب التي تهلل وتطبل للأنظمة الفاسدة وتقول عاش" طويل العمر" هي شريكة في الفساد، ففي زمن الثورة المعلوماتية والتكنولوجية،لم تعد تلك الأنظمة قادرة على استمرار سيطرتها على الفضاء الإعلامي والثقافي، بل يمكن الوصول للمعلومة والتعبير عن الموقف والرأي بألف طريقة ووسيلة.
لا يمكن لشعوب تعيش وفق نظرية إطاعة أولى الأمر، التي توظفها الأنظمة لخدمة مصالحها واستمرار سيطرتها وحكمها لتلك الشعوب، ولأحزاب "مخصية" مدجنة أن تطيح بتلك الأنظمة، او تعمل على تغييرها.
كل أنظمتنا لا تغيب سوى بالموت وحتى ما بعد الموت او قبله يكون ورثتها جاهزين، ورثة تصفق لها الشعوب من جديد، وكأن جينات الديمقراطية والحرية لم تعرف طريقها الى شعوب هذه الأمة، ففي الوقت الذي تعي شعوبنا مصالحها، وتكون قياداتها من القوى والأحزاب على قدر المسؤولية وتضحوية حقيقية فأنا أثق حينها بان التغيير قادم نحو غد عربي مشرق، يكنس كل أنظمة " العهر" والفساد والقمع والذل.
دولة محتلة وفاسدة تحاكم قياداتها رغم كل خدماتهم الجليلة لدولتها، وتزج بهم في السجون والمعتقلات، هي قادرة على البقاء والتطور والسيطرة، ودول حكامها شلة من الفاسدين والتجار، وشعوبها تصفق لها كشريك لهذا الفاسد المتوالد كمتوالية هندسية، سيبقى تطورها محتجزاً وتئن تحت وطأة الفقر والجوع والذل.