في كل بلدان العالم هناك اولويات واستحقاقات يجب البدء بها لكي يستطيع هذا البلد مواجهة التحديات سواء الداخلية او الخارجية او الاثنتين معا، في حال كانت القيادة في هذا البلد او ذاك تهمها المصلحة الوطنية العليا وتغلبها على المصالح الخاصة والحزبية والفئوية.
وفي حال تشخيص الاولويات والاستحقاقات والبدء بالعمل على انجازها فإن ذلك يؤدي الى التغلب على التحديات ومواجهتها والانتصار عليها كما حصل في عدة بلدان في العالم ان لم تكن كل البلدان التي واجهت مثل هذه التحديات والازمات سواء كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية داخلية او وجود خطر خارجي كاحتمال شن العدوان على هذا البلد او ذاك او مقاومة الاستعمار وسواها.
وفي وضعنا الفلسطيني فإننا امام تحديات داخلية وخارجية وكما علمتنا تجارب الشعوب فإن علينا البدء اولا في مواجهة التحديات الداخلية كي نتمكن من مواجهة التحديات الخارجية ونحن في حال من البنيان المرصوص لكي نتمكن ونستطيع التغلب على هذه التحديات وإلحاق الهزيمة بها.
والهجمة الشرسة التي نواجهها من قبل الاحتلال الاسرائيلي والتي تستهدف قضية شعبنا الوطنية وارضه وممتلكاته ومقدساته خاصة في هذه المرحلة التي تزداد فيها المؤامرات التصفوية ، فإن المطلوب اولاً هو العمل على مواجهة التحديات الداخلية وايجاد الحلول لها استعداداً لمواجهة التحديات الخارجية المتمثلة بالاحتلال الاسرائيلي الذي لا يريد السلام بل يواصل سياساته في الضم والتوسع الاستيطاني ومصادرة الاراضي والاعتداء على المقدسات وفي مقدمتها المسجد الاقصى المبارك وعلى البشر والحجر في محاولة يائسة منه لتيئيس شعبنا وإضعافه وجعله يقبل بالاحتلال واملاءاته وصولا الى فرض الحلول التصفوية عليه، خاصة وان هذا الاحتلال الغاشم يستغل الظروف الراهنة المجافية لشعبنا وقضيته والمتمثلة بالحكومة الاحتلالية الاكثر يمينية وتطرفا وعنصرية في تاريخ الحكومات الاسرائيلية منذ اقامة دولة الاحتلال قبل حوالي ٧٠ عاما على انقاض شعبنا وحالة التمزق التي يشهدها العالم العربي حيث الحروب الداخلية التي دمرت عدة بلدان وادت الى بروز الطائفية والعرقية وغيرها وتراجع القضية الفلسطينية من على سلم اولويات هذه البلدان، الى جانب صعود دونالد ترامب الى سدة الحكم في الولايات المتحدة الاميركية الداعم بلا حدود لدولة الاحتلال وسياساتها المعادية لشعبنا وحقوقه الوطنية الثابتة، بالاضافة الى الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني الذي مضى عليه حوالي عشر سنوات دون وجود بوادر لإنهاء هذا الانقسام الاسود والمدمر والذي اساء لشعبنا وقضيته على المستوى العالمي.
وكما ذكرنا سابقا فإن الاولوية لمواجهة التحديات الخارجية والمتمثلة بالاحتلال وسياساته وممارساته وانتهاكاته هو العمل وبأقصى سرعة ممكنة على انهاء هذا الانقسام ان اراد طرفيه التخلي عن مصالحهما الشخصية والحزبية والانتصار لقضية شعبنا الوطنية التي تمر بأخطر مراحلها حيث التكالب عليها من كل حدب وصوب.
فإنهاء الانقسام الاسود هو المقدمة الضرورية والاولوية القصوى التي لا بد منها لكي نستطيع مواجهة التحديات والمؤامرات التي تستهدف تصفية قضية شعبنا والحيلولة دون اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
كما ان توحيد الصف الوطني هو القادر وحده على فرض الاجندة الفلسطينية ليس فقط على الاحتلال بل وعلى العالم الذي ضاق ذرعا بالسياسة العدوانية الاسرائيلية والتي تهدد بتفجير المنطقة التي تغلي جراء هذه السياسة الاحتلالية التي تتحدى المجتمع الدولي وترى في نفسها بأنها فوق القوانين والاعراف الدولية لدرجة هاجمت فيها الدول التي صوتت لصالح قرار مجلس الامن الدولي رقم (٢٣٣٤) المناهض للاستيطان السرطاني والمطالب بوقفه لأنه يتعارض مع القوانين والاعراف والقرارات الدولية وينهي اي بارقة امل في تحقيق السلام في المنطقة وتحقيق الرؤية الدولية المتمثلة بحل الدولتين لشعبين، اي اقامة دولة فلسطينية على الارض التي احتلت عام ١٩٦٧م وعاصمتها القدس الشريف.
اما اذا ما واصل طرفي الانقسام الاسود المناكفات والابتعاد شيئا فشيئا عن انهاء هذا الانقسام بل على تكريسه وجعله امراً واقعاً ، فإن الامور ستسير لصالح المخططات التصفوية الاسرائيلية وسيدفع شعبنا الثمن غالياً، الى جانب ما دفعه حتى الآن من تضحيات جسام على طريق الحرية والاستقلال الناجزين.
ونقصد هنا مواصلة المناكفات ومهاجمة كل طرف للآخر وتحميله المسؤولية من خلال التصريحات ووسائل الاعلام، والانقلاب على اي فرصة للتقارب واعادة الامور الى مربعها الاول فإن ذلك يعني تغليب المصالح الخاصة والفئوية والحزبية على المصلحة الوطنية العليا المتمثلة بقضية شعبنا الوطنية التي تمر بأدق وأصعب مراحلها.
فإذا كانت المخاطر الجسيمة التي تهدد شعبنا وقضيته الوطنية وخاصة اعلان الاحتلال ان الضفة الغربية بما فيها القدس هي ارض اسرائيلية حسب زعمه وانه لن ينسحب منها بل سيواصل الاستيطان ومصادرة الاراضي وضمها له شيئا فشيئا، والذي كشف عنها بوضوح قانون التسوية الذي اقرره الكنيست مؤخرا والرامي الى سلب الارض الفلسطينية وضمها وقضمها جزءا وراء الاخر، اذا كانت هذه المخاطر جميعها لا تحرك ساكنا من اجل انهاء هذا الانقسام، فإن على قضية شعبنا السلام خلال الاعوام القادمة، الا في حالة واحدة وهي تحرك جماهير شعبنا لارغام طرفي الانقسام على انهاء هذه المرحلة السوداء من تاريخ شعبنا وفرض ارادتها على الطرفين،عندها ستسير الامور بالاتجاه الصحيح وعندها يتم ترتيب البيت الفلسطيني ووضع برنامج عمل وطني بموافقة جميع القوى والفصائل يمكنه التصدي للسياسات الاحتلالية وافشالها خاصة وان اساليب العمل الحالية التي يتم انتهاجها اصبحت بالية ولا يمكنها الوقوف من خلالها في وجه الاحتلال وعنجهيته واجراءاته على الارض.
ونقصد هنا بأساليب العمل مواصلة الرهان على السلام الذي ترفضه اسرائيل وترى في الوضع الراهن والظروف سبيلها لتحقيق أحلامها بالسيطرة وتأبيد الاحتلال.
اننا مع تغيير الاساليب وتعزيز المقاومة الشعبية وشن حملات متلاحقة لتوسيع المقاطعة ضد الاحتلال على الصعيد الدولي.
لقد آن الاوان لانهاء الانقسام سياسيا وجغرافيا، فالهجمة كبيرة وواسعة ولا يمكن التصدي لها الا بوحدة الصف، فإما ان يعمل طرفي الانقسام على انهائه من تلقاء انفسهما، واما ان جماهير شعبنا ستقوم بدورها في هذا السياق.
صحيح ان جماهير شعبنا حاليا لم تنفذ بعد خطوات عملية بهذا الشأن، الا انها ستأخذ دورها في اية لحظة خاصة وان التحديات والمخاطر التي تحيط بها وبقضيتها هي مخاطر جمة لا يمكن السكوت عليها.