لم يعد هناك اي مفاجأة في المواقف الأميركية تجاه اي قضية عالمية. كل السيناريوهات والمواقف ممكنة من أركان إدارة الرئيس دونالد ترامب. والإعتراض على تعيين الدكتور سلام فياض، ممثلا للإمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس في ليبيا من قبل الولايات المتحدة، الذي أعلنته نيكي هيلي، سفيرتها في المنظمة الدولية، لم يحمل في طياته الإستغراب أو إعتباره موقفا إستثنائيا. رغم ان الدكتور فياض يحمل الجنسية الأميركية، وكان موظفا مرموقا في صندوق النقد الدولي، ووصل إلى رئاسة الحكومة الفلسطينية عام 2007 حتى 2013 بدعم من الإدارة الأميركية زمن بوش الأبن وباراك اوباما، والذي رشحه للمنصب، هو الأميركي فيلتمان، مساعد ألأمين العام للأمم المتحدة، وهو احد العناوين المهمة في الإدارات الأميركية السابقة، ولاعب مهم في سياسات أميركا في العالم وخاصة الشرق الأوسط، مع انه يعمل في المنظمة الدولية.
وترشيح غوتيريس للدكتور فياض ممثلا له في ليبيا، جاء بعد فشل ممثله الحالي الألماني مارتن كوبلر، الذي عُّين في نوفمبر 2015. ونتيجة المعطيات والمعلومات، التي قدمت له عن الرجل، وليس لإنه فلسطيني أو عربي. لكن من الواضح ان السيدة هيلي جانبت الصواب، حينما لجأت لتبرير موقفها بالإتكاء على البعد العنصري، بذريعة ان أميركا لا "تعترف بفلسطين" ولإن "فلسطين ليست دولة كاملة العضوية". ولم تحصر الأمر عند حدود ذلك، بل تمادت وبشكل مغلوط في ذرائعها الغبية، حينما قالت "منذ فترة طويلة جداً كانت الأمم المتحدة منحازة للسلطة الفلسطينية بشكل غير عادل، على حساب حلفائنا في إسرائيل، معربة عن خيبة أملها إزاء هذا التعيين". ونسيت السيدة الأميركية، ان الغبن التاريخي لحق بفلسطين وشعبها منذ قرار التقسيم 181، الصادر في العام 1947، ونفذ شق منه، هو إقامة إسرائيل الكولونيالية، ولاذت بالصمت والتجاهل تجاه عدم إقامة الدولة الفلسطينية العربية. وبالتالي دول وشعوب العالم بما فيها الإدارات الأميركية الأخيرة دعمت عملية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 لإنصاف الشعب العربي الفلسطيني، ولتفادي التداعيات الإستعمارية الإسرائيلية الخطيرة، التي تهدد السلم والأمن الأقليمي والعالمي. وآخرها إمتناع إدارة الرئيس أوباما في 23 ديسمبر/ كانون اول 2016 عن إستخدام حق النقض الفيتو ضد القرار 2334،الذي يعتبر الإستيطان الإستعماري الخطر الداهم للحؤول دون خيار السلام وحل الدولتين.وهو ما أكده جون كيري، وزير الخارجية السابق، في المؤتمر الصحفي، الذي عقده قبيل رحيله من الخارجية، وأكد فيه على اهمية القرار الأممي آنف الذكر.
إذا الأمم المتحدة ليست منحازة للشعب العربي الفلسطيني، انما هي تصوب الخطيئة الكبرى، التي ارتكبتها تاريخيا بحق الفلسطينيين. ومواقفها وقراراتها تنسجم وروح قوانين ومواثيق المنظمة الأممية نفسها. التي تنسجم في جوهرها مع روح الدستور الأميركي، الذي أكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها.
إنطلاقا من ذلك، فإن الموقف الأميركي من الدكتور فياض، الذي طبل له سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، داني دانون بطريقة عدوانية تعكس الروح الإستعمارية الإسرائيلية، يعتبر موقفا قاصرا ومعيبا بحق إدارة ترامب تجاه شخص يحمل الجنسية الأميركية، وعمل في مؤسساتها، وخريج جامعاتها والأهم قريب من سياساتها. أضف إلى ان ترشيح الدكتور فياض، هو الترشيح الأول للإمين العام للأمم المتحدة. وبالتالي ليس من المفضل إنتهاج هكذا سياسة تجاهه بهذه الطريقة الفجة. واي كان ثقل اميركا في المنظمة الدولية، كان عليها التعاطي بشكل أكثر ديبلوماسية وحنكة من سياسة الغطرسة والعنجهية، التي إنتهجتها السفيرة الأميركية، هيلي تجاه تعيين فياض. لكن ما العمل مع إدارة تعيش في عالم من الأمية السياسية والديبلوماسية.