إقرار الكنيست الصهيوني لواحد من أخطر قوانين الاستبداد الفاشي، الذي لا يمكن للعقل الإنساني أن يستوعبه، خاصة إذا دقق في تفاصيله، وفي جوهره، شرعنة سرقة الأراضي الفلسطينية الخاصة في الضفة الغربية المحتلة، التي استولى عليها عنوة قطعان المستوطنين الأفّاقين، وأقامت عليها بؤراً استيطانية. الهدف من القانون،تثبيت البؤر الأربعين، وتحويلها إلى مستوطنات من دون أن تكون لأصحاب الأراضي إمكانية استعادة أملاكهم، حتى بقرارات المحاكم الصهيونية. المدلولات الأبرز لهذا القانون هي سريان فعلي للقانون «الإسرائيلي» على الضفة المحتلة منذ العام 1967، بما يخالف القانون الدولي. فالصهيونية ووليدتها «إسرائيل» يرتكبان الجرائم ضد الإنسانية على مدى قرن زمني، ولم يمثل ساستها في أي يوم أمام المحكمة الجنائية الدولية. وحتى قرارها ضد جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، لم يوقف بناءه.
القانون المذكور، يعكس حقيقة وجوهر الصهيونية. فمنذ العام 1948 سنّ الكيان قرابة 43 قانوناً عنصرياً، كلها تهدف إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية من أصحابها بهدف بناء أكثر من 500 مستوطنة في فلسطين المحتلة، وقرابة 134 مستوطنة في الضفة الغربية يسكنها حوالي نصف مليون مستوطن من المهاجرين الغرباء، وأكثر من 30 مستوطنة في الجولان، عدا عن 18 مستوطنة في قطاع غزة، قبل إخلائها.
الجديد في هذا القانون، هو أنه يقونن أيضاً ممارسات عصابات الإرهاب المنفلتة من أي عقال، والتي باتت تتمدد في أوساط الحكم الصهيوني. فعلى مدى عشرات السنين، أطلق النظام الفاشي الحاكم في «تل أبيب» عشرات العصابات الإرهابية الاستيطانية، لتفعل ما لا يمكن للحكومة أن تمارسه رسميا، حينما كانت دولة الكيان تأخذ بالحسبان على الأقلّ، ردود الفعل الدولية، ولو بشكل نسبي! مقارنة مع أحوال اليوم. ذلك يعني، أن الكيان لم يعد يشعر بأي حرج من عنصريته الفاقعة وإرهاب الدولة الذي يمارسه، فهو يرى الواقع الدولي، الذي لا يستطيع إلزامه بتنفيذ مطلق قرار، أو حتى التأثير عليه.
ما يلفت الأنظار إليه، هو تقاسم الأدوار في الحلبة السياسية الصهيونية الحاكمة، إذ كان مفضوحا إلى أقصى الحدود في الأسابيع الأخيرة. فرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، زعم في أكثر من محطة، أنه يعارض القانون، مصغيا إلى نصائح المستشارين القضائيين لحكومته، إلا أنه على أرض الواقع كان يلقي بكل ثقله ووزنه، لضمان الأغلبية الواضحة لدى التصويت. وحتى المعارضون للقانون (خاصة في حزبي «العمل» و«يوجد مستقبل») فإن منطلقاتهم في معارضة القرار، تنبع من أن «إسرائيل» ليست بحاجة لهذا القانون،الذي لن يغير الكثير على أرض الواقع، بفعل عربدة سلطات الاحتلال، وليس في بال القائمين عليهما، حقوق الشعب الفلسطيني، فهم جميعا كانوا شركاء في حكومات، وقعت في ظلها جرائم سلب ونهب للأراضي الفلسطينية الخاصة.
حتى لو ألغت المحكمة القرار بعد عدة أشهر من الآن، فإن هذا لن يغير من حقيقة العقلية الصهيونية العنصرية، التي تطبقها حكومات الاحتلال على الأرض. فكل الأراضي الخاصة، التي استولت عليها عصابات قطاع الطرق من المستوطنين، لن تعود فعليا إلى أصحابها، ولن يتاح لهم الوصول إليها بشكل حر واستخدامها، بل ستبقى تحت سطوة جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين.
ما دامت «إسرائيل» موجودة، والتي هي حتما إلى زوال، طال الزمن أم قصُر، فإن شعار «الحل المرحلي»، أثبت عقم من تبنّاه، ومن يرتكن إلى إمكانية تحقيقه. إن كل هؤلاء لم يقرؤوا كتابا واحداً عن الحركة الصهيونية ومشروعها، ولا عن خطرها الإقليمي ولا الدولي، ولا اقتراحاتها للحل الدائم، ولا مشروعها المستقبلي، ولا تحولات شارعها، ولا نهمها الشايلوكي الوحشي لابتلاع الأرض ووجودها المرتبط بالتآمر والعدوان، والظاهرة الاستعمارية الكريهة.
لذلك، يترتب التركيز الآن فقط على هدف تحرير كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر، بمعنى عودة الصراع إلى مربعه الأول. لو وصلنا إلى موازين نفرض فيها على العدو،اعترافا بحق العودة، وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، نكون والحالة هذه في وضع من يستطيع اجتثاثه. الكيان الصهيوني لن يحتمل سوى هزيمة واحدة. لذلك فإن الحديث عن دولة مستقلة وعن عودة للاجئين، هو إهمال للجوهر، لحساب أهداف فرعية لن تتحقق إلا بالتحرير الكامل بعد هزيمة المشروع الصهيوني واجتثاثه من فلسطين والمنطقة العربية بأكملها.
عن الخليج الاماراتية