توجه أمس الأثنين بنيامين نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس دونالد ترامب وأركان إدارته. وهي المرة الأولى، التي يلتقيا فيها بشكل رسمي غدا الأربعاء. وسيكون رئيس وزراء إسرائيل الشخصية الأجنبية الثالثة، التي يلتقيها الرئيس الأميركي منذ توليه مهامه في البيت الأبيض قبل 25 يوما، لاسيما وانه إلتقى كل من تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا ثم الملك عبدالله الثاني، ملك المملكة الأردنية.
غير ان زيارة الحاكم الإسرائيلي لواشنطن تحتل في الأجندة السياسية والأمنية والإقتصادية الإسرائيلية مكانة حيوية، لاسيما وان الرهان في اوساط النخب السياسية عموما واليمين المتطرف خصوصا عالية، لجهة الإعتقاد بإن اللحظة حانت لإقتطاف ثمار وعود الرئيس ترامب اثناء حملة الإنتخابات وبعد الفوز فيها. ولهذا تعالت الأصوات في إسرائيل من بينت إلى شاكيد إلى حوطبلي إلى الكين من داخل الكبنيت المصغر وخارجه، بضرورة تأكيد نتنياهو امام سيد البيت الأبيض على إسقاط خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 كأولوية، ثم الملف النووي الإيراني، والملف السوري وخلط الأوراق هناك، التحالف الثنائي المشترك، فضلا عن القضايا الأمنية الإستراتيجية بين البلدين، والدعم المالي والإقتصادي الأميركي لإسرائيل.
ووفق ما رشح من معلومات إعلامية إسرائيلية، كان نتنياهو الأكثر تنبها لواقع الحال الأميركي، حيث اشار امام أقرانه في الكبنيت، لعدم الإبتعاد كثيرا في الرهان على مواقف الرئيس ترامب. وأكد مصدر مسؤول إسرائيلي، ان العديد من مساعدي الرئيس الجمهوري، أدلوا بمواقف تجاه الإستيطان الإستعماري دون علم وموافقة الرئيس. وهو ما يعني ان التطبيل والتزمير الإسرائيلي لإسقاط خيار حل الدولتين، أمر فيه شك. لإن الرئيس الأميركي، وفق ما ذكر بيبي نفسه، كان يسأل في المكالمات الهاتفية، التي تمت بينهما عن إمكانية تحقيقها، وتنبيه نتنياهو لعدم الإفراط في الإستيطان الإستعماري. وبالتالي فإن الحديث عن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الفلسطينية للحؤول دون إقامة الدولة الفلسطينية، هو تمني أكثر منه واقع. لإن إدارة الرئيس ترامب، رغم كل ما شاب مواقفها من رعونة وعدم إتزان، مازالت تريد تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولم تسقط هذا الخيار نهائيا.
واذا كان الأمر كذلك، لماذا تدير الإدارة الجديدة الظهر للقيادة الفلسطينية، ولا تتعامل معها؟ ولماذا جمدت الأموال، التي صادق على تحويلها الرئيس السابق باراك اوباما؟ التقدير لهذه المواقف يعود لإكثر من سبب، الأول تأثير فريق الرئيس ترامب عليه، وخاصة فيلدمان، وكوشنير، وبنس وستيف بانون؛ الثاني نوعا من إرضاء القيادة الإسرائيلية، والتأكيد لها، ان الإدارة لن تتعاطى بسهولة مع القيادة الفلسطينية؛ ثالثا شكل من اشكال الإبتزاز للقيادة الفلسطينية بهدف ترويضها وإدخال الخشية لديها مما سيلحق بها في حال لم تقدم المزيد من التنازلات لصالح إسرائيل؛ رابعا دراسة ردود الفعل الفلسطينية على مواقف الإدارة الجديدة؛ خامسا إنتظار ما تحمله القيادة الإسرائيلية من مواقف، بهدف التنسيق معها بشأن مستقبل عملية السلام؛ سادسا ايضا إنتظار الإستماع للمواقف العربية والدولية بشأن ملف المسألة الفلسطينية؛ سابعا الإستماع لصوت الدولة الأميركية العميقة في هذا الشأن. ومن ثم بلورة موقف محدد لاحقا.
النتيجة وفق القراءة المنطقية لمواقف إدارة ترامب، انها ستؤكد لرئيس الحكومة الإسرائيلية تمسكها بخيار السلام وحل الدولتين، بغض النظر عن اية تعديلات قد تطرحها؛ التأكيد على التحالف الإستراتيجي بين البلدين بشكل وثيق، والذي قد ينعكس في زيادة الدعم والتنسيق بين البلدين في الحقول المختلفة السياسية والديبلوماسية والأمنية والعسكرية والإقتصادية، عدم إلغاء الإتفاق النووي مع إيران، لكن مع زيادة المراقبة، وفرض المزيد من العقوبات عليها، وتضييق الخناق عليها في الخليج، وضع خطة مشتركة لتطويق التوسع الروسي في سوريا والأقليم العربي والشرق أوسطي؛ إمكانية الدعوة لعقد مؤتمر أمني أقليمي تشترك فيه الدول العربية وإسرائيل، بهدف دفع علاقات التطبيع العلنية قدما للإمام. مع فرضية حدوث سيناريوهات ليست بالوارد ولا الحسبان.
المحصلة النهائية الواضحة لزيارة الزعيم الإسرائيلي الآيل للسقوط، ستكون في صالح دولة التطهير العرقي الإسرائيلية دون أدنى شك. لكن دون ان يعني ذلك تخلي الإدارة الأميركية عن خيار السلام. مما يعني ان الرئيس ترامب سيعود لفتح الباب واسعا أمام الرئيس ابو مازن واركان القيادة الفلسطينية وبما لا يتناقض مع المصالح الإسرائيلية.