الهند عملاق فضائي متقشّف يطيح روسيا ويهدّد الصين

927030dfe3614fceb0307e99f29c7716
حجم الخط

رقم قياسي في الفضاء الكوني (إطلاق 104 أقمار اصطناعيّة بصاروخ واحد) حقّقته أمس بلاد ألمهاتما غاندي، كذلك على الأرجح أنّه نزل برداً وسلاماً على «مركز محمد بن راشد للفضاء» لأنه يثبت صواب خياره التعاون مع «الوكالة الهندية لبحوث الفضاء» Indian Space Research Organization في مشاريع ارتياد الفضاء. ولإلقاء الضوء على دلالة الإنجاز، ربما يكفي القول إن الرقم القياسي الهندي سجّل هزيمة لروسيا التي أطلقت القمر الاصطناعي الشهير «سبوتنيك - 1957»، فكان أول مركبة صنعها البشر ودارت حول الكرة الأرضيّة. وكذلك يلفت إلى أن عملية الإطلاق تشمل 96 قمراً اصطناعيّاً تعود إلى الولايات المتحدة العملاق الهائل في اكتشاف الكون، إضافة إلى بلدان أخرى منها الإمارات التي أُطلق لها قمر واحد.

وكرست الهند نفسها عملاقاً فضائيّاً واضح الحول والقوّة والقدرة على منافسة الدول الكبرى، خصوصاً أنها ترتاد آفاق اكتشاف القمر والمريخ. وطريٌّ في الذاكرة أنها في 2014، وضعت مركبتها الفضائيّة الأولى في مسار حول المريخ، فصارت كتفاً إلى كتف مع أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي، بل تجاوزت اليابان التي تأمل في إيصال مركبة إلى القمر، علماً أنها لا تزال تعاني ذيول فشلها مطلع السنة الحالية في إطلاق صاروخ مُصغّر إلى الفضاء الخارجي. وتتميّز الصواريخ المصغّرة بصفات شتى، من بينها انخفاض الكلفة، وهو أمر تعرفه الهند جيّداً لأن صواريخها الفضائيّة تصنع بموازنات تقل بما يتراوح بين عشرة ومئة ضعف عن نظيراتها لدى الدول الكبرى.

في ضربة علميّة متعدّدة الأبعاد، أثبتت الهند أنّ مقاربتها مشاريع الفضاء بمنهجيّة «المكتشِف المتقشّف»، تمثّل خياراً فائق الأهميّة للدول الناميّة يجمع بين الإصرار على التمسك بالتقدّم العلمي مع تطلّب الوصول إلى حدوده القصوى دوماً، ومراعاة الواقعيّة في التطلّع والتصرّف. وبقول آخر، يتطلّب دخول مغامرة اكتشاف الفضاء موازنات مذهلة تفوق قدرات البنى الاجتماعيّة والاقتصادية في معظم الدول. ومن هنا، ليس صدفة أن مشاريع اكتشاف الفضاء مقصورة على نخبة من بلدان تتمتّع برخاء وقدرات اقتصاديّة واسعة، على غرار أميركا والاتحاد الأوروبي والصين واليابان وروسيا. بيد أن الهند أثبتت قدرتها على تحدي تلك المعادلة، إذ هزمت رقماً طالما تفاخرت به روسيا في القدرة على إطلاق أكبر عدد من الأقمار الاصطناعيّة في صاروخ واحد. وفي 2014، تصدّرت روسيا القمة بصاروخ استطاع وضع 34 قمراً اصطناعيّاً معاً في مسار حول الكرة الأرضيّة.

وفي المنحى ذاته، تعود المقاربة العلميّة المتقشفة بفائدة اقتصاديّة جليّة على الهند. ويأتي ذلك من العائد المالي المتأتي من وضع 101 قمر اصطناعيّ (ضمن الـ104 أقمار) لمصلحة بلدان أخرى، مع ملاحظة أن سوق صناعة الفضاء العالميّة تلامس 300 بليون دولار. وفي 2016، جذبت الأسعار المنخفضة لصواريخ الهند الفضائيّة، مجموعة من 75 قمراً اصطناعيّاً من بلدان أجنبيّة عدّة.

هكذا، يغدو مفهوماً ذلك الإحساس بالفخر الذي نطقت به تغريدات رئيس الوزراء الهندي نارينادرا مودي وبي جاياكومار مدير مشروع الأقمار الاصطناعيّة في «الوكالة الهنديّة لبحوث الفضاء»، الذي لم يتردّد في التقاط الفرصة السانحة ليؤكّد أن علماء الهند «صنعوا التاريخ».