بين تراجع القراءة وإدمان الشبكة العنكبوتية

صلاح هنية
حجم الخط

يكثر الحديث في البلد عن إدمان الشبكة العنكبوتية وتراجع المطالعة، ولكننا لا نشهد تفعيلا لتشجيع المطالعة باستثناء قضايا موسمية من مؤسسات متخصصة، والإعلان عن إصدار كتب، ولم نفعل شيئا حقيقيا (وقد أبدو قاسيا) لمعالجة الإدمان على الإنترنت عدا الحديث المتكرر عن الأمر وطلب الأمان وتحديد ساعات الاستخدام والاعتماد على «يوتيوب» و»غوغل» انهما يقومان بالتأكد من المحتوى، ولكننا فلسطينيا لم نصنع فرقا في إطار الإدمان.
كنت واحدا من المدمنين على مكتبة بلدية البيرة العامة ومكتبة بلدية رام الله العامة منذ أوائل السبعينيات، ولم يكن هذا الإدمان صدفة لأن كلتيهما كان لديها برامج متنوعة شكلت استقطابا للمطالعة ومراجعة الكتب والعمل التطوعي والعمل المسرحي، اليوم، نرى أولئك الذين كانوا معنا من الأشخاص المؤثرين في المجتمع، ولكننا لا نرى هذا الاستقطاب بذات الروح او اقل منها كثيرا حتى ان نشرات صغيرة او مطويات قصيرة لم تعد مغرية للقراءة في عرف اليوم.
ويكون موضع استغراب عندما يقول احدهم إنني مشغول، اليوم، لأنني سأقرأ للأولاد في البيت، أو ان يتطوع احدهم للقراءة في مدرسة أولاده مرة في الأسبوع ويصبح هذا النشاط مكان مفاوضات لإلغائه والتحول لنشاط طارئ عديم الجدوى، ويكون الأمر اكثر غرابة عندما تقوم سيدة بقراءة قصة لطلبة توضح خلالها أهمية الزيتون والزيت.
هزتني معلومات إحصائية لتراجع مبيعات المجلات والدوريات في المكتبات الفلسطينية وتراجع الطلب عليها في الوقت التي كانت تشهد رواجا قبل عشرة أعوام على الأقل، وكانت مجلات الأطفال تشهد إقبالا وكنا نجمعها في مجلد، اليوم هناك تراجع كبير.
المطلوب، اليوم، إعادة الاعتبار للكتاب والصحيفة والدوريات والمجلات، والمكتبات العامة، ودور النشر وتوزيع الكتب، والتركيز اكثر على مكانة الكتاب والباحثين، والاهتمام بالنقد الأدبي والمراجعات.
ويتزامن مع هذا أدب البكائيات الذي تنامى حول موضوع الإنترنت والإدمان وتحويلها وكأنها شر كلها، ولم نعد نستفيد من تحول الكون الى قرية صغيرة معلوماتيا، وعندما تعرض أمامنا معلومة لا نعرفها بتنا نبحث عنها إلكترونيا ونجد الجواب بعدة وجهات نظر تغني البحث، والمصيبة ان الذين يحاربون الإدمان يفيقون على الإنترنت وينامون عليها وعندما تناقشهم يصرون انه الإدمان وخراب هذا الجيل بسببه.
لا نقلل من مشكلة الإدمان ولكن يجب ان ننظر للإيجابيات والسلبيات ولا نحول الشبكة العنكبوتية الى شر مطلق ولا نقلل من سلبياتها، والمخيف ان يصبح البحث والتقرير في جامعاتنا من قبل الطلبة يوجه باتجاه السلبيات دون الإشارة لفائدة واحدة فقط، ولا يجوز ان نستهين بالحلول ونقول دعونا نحصر استخدام الإنترنت من قبل الطلبة والأقل من ثمانية عشر عاما لمدة نصف ساعة فقط وكأن هذا ممكن وأبلغت عن تجارب عربية انه لم يكن بالإمكان رغم ان جهدا بذل في هذا الاتجاه.
علينا ان نضع حلولا ابداعية في ضوء أننا لا نستطيع ان نعزل انفسنا او نتغاضى عن الشبكة العنكبوتية، فيما يخص أزمة المواقع الإباحية، والساعات الطويلة، وإعادة الاعتبار لدفء الأسرة والجمعة العائلية الذي اثر عليها سلبيا الإدمان على الإنترنت، يجب ان يحدث نقاش حول ما نتداوله على الإنترنت لعله يكون مجالا للعلاج.
وفي ضوء الحديث عن التعليم الإلكتروني وأتمتة التعليم والأرشفة الإلكترونية وتحديث المواقع الإلكترونية للمؤسسات الرسمية او القطاع الخاص والصحف يجب ان نكون متوازنين واننا نحتاج الشبكة العنكبوتية ولا نستطيع التراجع او إهمالها كنوع من الحماية الوهمية غير المجدية، وبات من الضرورة بمكان تطوير المحتوى كضرورة ملحة.