يروي الباحث والمؤرخ عماد هلال (1834-1949)،في كتابه "البغايا في مصر… دراسة تاريخية اجتماعية" عن طبيعة حياة بائعات الهوى في تلك الفترة. فقد سكنّ في أحياء معينة أو على أطراف المدينة، ولم يكن يسمح لهن بالسكن داخل الأحياء، في محافظات الصعيد أو الأرياف.
أما في القاهرة، فكانت أهم بؤر تجمعاتهن في قلب المدينة. وفي محافظة الإسكندرية، كان عدد بائعات الهوى يفوق بكثير عددهن في القاهرة، لطبيعة الإسكندرية كميناء، ووجود العديد من الجنسيات الأجنبية فيها والتجار.
سوق الدعارة
اتسمت هذه الفئة من المجتمع بالشكل الهرمي في الأهمية والسلطة. فاحتلت قاع الهرم بائعات الهوى البائسات، اللواتي يسوقهن حظهن العاثر لملاقاة هذا المصير، الذي كان ينتهي إما بالانتحار أو بالمرض المميت. وأوضحت الدراسات حينذاك أن غالبيتهن إما يتيمات، وإما مطلقات في سن صغيرة.
وإذا صودف وحملت إحداهن، تحاول غالباً إجهاض نفسها بكل الطرق، وإن فشلت واكتمل الحمل، تلقي بطفلها على الطريق أو أمام باب جامع، وقلة منهن قررن الاحتفاظ بأطفالهن.
بحسب جريدة المصري في عددها الصادر مايو 1938، فقد شاعت وسيلة أخرى من أبشع الوسائل للتخلص من الأطفال، وهي قتلهم فور ولادتهم، ورصدت وزارة الداخلية عام 1938 نحو 208 قتلى من الأطفال المولودين سفاحاً، ربما رأت أمهاتهم أن ذلك أفضل لهم من نشأتهم في تلك البيئة، التي لا يستطعن تركها والهروب منها.
يأتي قبلهن في الهرم "السحابات أو السحابون"، أي الموكل لهم إمداد البيت بالبنات أو السيدات، لتحويلهن إلى بائعات هوى، ثم القواد أو القوادة، وهما الملزمان بجلب الاحتياجات الضرورية للبيت من غذاء وملابس وأدوات تجميل وعلاج، ومرافقة العاملات للمستشفيات والكشف الطبي وتسديد أجورهن ودفع الضرائب لـ"ملتزم الخردة"، وهو الموظف المسؤول من قبل الدولة عن جمع الضريبة منهن.
ثم يأتي في الترتيب "البُرمي"، الذي يقوم بدور عشيق بائعة الهوى في بعض الحالات، فتنشأ بينهما منفعة متبادلة، هي توفر له احتياجاته الجنسية من دون مقابل حين يشاء، مقابل حمايتها والحرص على تحصيل حقوقها المادية.
في القاهرة، كانت بائعات الهوى والقوادات يخضعن لإشراف ثلاثة من شيوخ القوادين، أحدهم في باب اللوق، والآخر في مصر القديمة، والثالث في القاهرة. وكانت أسماء كل بائعات الهوى موجودة في سجلاتهم، فكانوا أشبه بشيوخ الطوائف.