أثار الرئيس دونالد ترامب استغراب العالم عندما أعلن عند استقبال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قائلا: "أنا استطيع التعايش مع حل الدولتين، أو الدولة الواحدة". وكان يمكنه أن يضيف للقائمة ايضا حل "اللادولة". ملاحظته هذه تسببت بموجة من التحليلات. هل هذا يعني أن الدولة الفلسطينية ماتت، أو أن اسرائيل ستستوعب عدة ملايين من الفلسطينيين ويؤدي المارد الديمغرافي الى القضاء على الحلم الصهيوني، أو أن اسرائيل ستتحول الى "دولة فصل عنصري"؟.
أنا أقترح العودة خطوة اخرى الى الوراء وأخذ نفس عميق وتشغيل العقل. ما الذي نحاول أن نحله هنا؟ توجد هنا عمليا ثلاث مشاكل: المشكلة الفلسطينية، مشكلة الاسرائيليين ومشكلة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. صحيح أن هذه المشاكل مرتبطة ببعضها البعض، وأن ترامب سيكون مسرورا اذا وجد "الصفقة الأفضل" التي ستحل المشاكل الثلاث. وليس واضحا أبدا اذا كان هذا ممكنا في المستقبل المنظور.
ما هي المشكلة الفلسطينية؟ هل يريد الفلسطينيون تقرير المصير؟ دولة خاصة بهم؟ ومن الذي سيمنعهم من ذلك؟ كل من يعرف الشرق الاوسط يعرف أنه توجد للفلسطينيين دولة – الاردن. حيث أن أكثر من 70 في المئة من سكانه هم فلسطينيون. واذا لم تكن هذه هي دولة فلسطينية فما هي اذا؟ ومثلما يعرف الجميع، كانت هناك اوقات، بعد الاحتلال الاردني للمنطقة في العام 1948، قام فيها الاردن بضم "يهودا والسامرة" والسكان الفلسطينيين هناك. وكانت اوقات، في أيلول 1970 (أيلول الأسود)، حاول فيها ياسر عرفات، رئيس "م.ت.ف"، السيطرة على الاردن. ومنذ ذلك الحين اصبح الزعماء في الاردن متخوفين من "الفلسطينيين في الضفة الغربية" الذين يحتمل أن يقوموا باسقاط النظام الهاشمي، وخصوصا فلسطينيي غزة الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في لبنان.
يزعم الاردنيون، رغم أنهم لا يقصدون ذلك، أنهم يفضلون حل الدولتين – فلسطين شرق وفلسطين غرب، مثلما في كوريا. وفي الوقت الحالي يوجد للفلسطينيين دولة مصغرة في غزة. والفلسطينيون في "يهودا والسامرة" يخضعون للسيطرة العسكرية الاسرائيلية. هذا غير مريح، وحسب بعض الاسرائيليين هذا لا يمكن تحمله ايضا.
المشكلة الاسرائيلية هي كيف ستتخلص اسرائيل من هذا العبء دون تعريض حياة مواطنيها للخطر؟ وكيف ستضم "يهودا والسامرة" دون أن تغير طابع الدولة؟ إن من يؤيدون حل الدولتين لا يريدون الفلسطينيين في حدود دولة اسرائيل، فلدينا الكثير من الفلسطينيين هنا، يقولون. هيا إذا نتخلص من الحذر ولتكن دولة فلسطينية ثانية. هذا هو حل الدولتين للمشكلة الاسرائيلية. وبالمقابل، الاسرائيليون الذين يؤيدون الضم لا يخشون من الوضع الديمغرافي. هذا حل الدولة الواحدة للمشكلة الاسرائيلية. وماذا بخصوص الفلسطينيين؟ ما هو الافضل لهم، أن يكونوا جزءا من الاردن، جزءا من اسرائيل أم جزءا من دولة فلسطينية غربية؟ وقد يكون من الافضل استمرار الوضع الحالي والأمل بأوقات افضل؟ هل يحق لهم الاختيار؟.
بالنسبة لحل المشكلة الاسرائيلية الفلسطينية هذا موضوع مختلف تماما. اذا لم نكن نقصد بالحل الاتفاق الذي سيوافق عليه جميع الفلسطينيون ويضع حدا للصراع، فهذا هدف آخر سيفشل. الفلسطينيون منقسمون بين "فتح" التي لا توافق على أي تنازل لاسرائيل وبين "حماس" و"الجهاد الاسلامي" اللذين يريدان القضاء عليها. وليس هناك أي قائد فلسطيني قادر على فرض الاتفاق عليهم، وعلى تلبية المطالب الاسرائيلية بالحد الأدنى. لذلك سنبقى في الوقت الحالي مع حل "اللادولة".