"طهارة السلاح".. من الماضي

20172302082637
حجم الخط

بين الجهاز القضائي والساحة السياسية توجد سلسلة من الفوارق الشاسعة. أحدها هو أنه في قاعة المحكمة يفترض أن تطرح حجج عقلانية، نقية من الحماسة، بمعونتها يمكن للقضاة أن يجروا محاكمة عادلة استنادا الى الحقائق المثبتة والى المعايير القضائية ذات الصلة.
ولكن الحكم الذي صدر امس في محاكمة الجندي أليئور أزاريا، السجن الفعلي 18 شهرا الى جانب السجن مع وقف التنفيذ وتخفيض الرتبة، يعكس انحرافا من المحكمة العسكرية، التي بحثت القضية، عن المعايير المتوقعة من هيئة قضائية. فبينما القرار الذي أدان به المحكمة أزاريا بمخالفة القتل غير العمد، كان مبنيا بعناية، وفقا للمعايير الاساس لسلطة القانون، جاء أمس النطق بالحكم ليبدو وكأنه حيك بمثابة حل وسط سياسي.
صحيح أن المحكمة ردت ردا باتا نهج "البطل الوطني"، اعترفت بشكل رسمي بحق الحياة للمخربين ووضعت حدودا ضد المطاردة بعقوبة الموت في "الميدان"، الا ان الجيش الذي يفرض حكما بسنة ونصف في السجن على جندي قتل مخربا اصيب بجراح خطيرة، يبث استخفافا بحياة الانسان، ويطلق رسالة مهددة للسكان الفلسطينيين في المناطق بأن يد الجنود العاملين في أعمال حفظ النظام قد تكون رشيقة على الزناد، والجيش سيمتنع عن محاسبتهم بشكل حقيقي.
المحكمة العسكرية ليست المذنبة الوحيدة في الاهانة التي ترافق السجل الاخير في القضية. فالادعاء العسكري ايضا، الذي اكتفى بالمطالبة بعقوبة مخففة، ولا سيما سلسلة السياسيين من اليمين – وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – الذي حاول تحريض الجمهور ضد الجهاز القضائي أثروا على النتيجة النهائية. فتلك الاصوات التي ترى بطلا في كل جندي يضغط على الزناد يقف أمامه فلسطيني، سواء كان يعمل بشكل قانوني أم غير قانوني، هم من يدعون الان حتى الى اذابة العقاب الرسمي الذي حكم به على أزاريا، والعفو عنه أو تخفيفه.
ينطوي قرار النطق بالحكم على استسلام لشعبوية اليمين السياسي، في ظل خلط اعتبارات ليست موضوعية. فيه بقدر كبير ايضا اعلان رسمي عن نهاية عصر طهارة السلاح في الجيش الاسرائيلي، ذاك الذي يواصل السياسيون التباهي بفضله بالجيش الاسرائيلي وتسميته بانه "الجيش الاكثر أخلاقية في العالم".
وسواء قرر أزاريا الاستئناف على إدانته وعلى النطق بالحكم بحقه أم لا، يجدر بالادعاء العسكري العام أن يرفع استئنافا خاصا به، ويطلب تشديد العقاب على الجندي الذي ادين بالقتل غير العمد. وعلى الجهاز القضائي الاسرائيلي، بما في ذلك العسكري، ان يبث للمجتمع الاسرائيلي وللعالم كله رسالة لا لبس فيها بان الجيش الاسرائيلي يعمل وفقا لمعايير سلطة القانون.