دولة ترامب الملتبسة

thumbgen (12)
حجم الخط
 

يذكر الجميع المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس دونالد ترامب وبنيامين نتيناهو الأربعاء الماضي في البيت الأبيض، الذي اشار فيه الرئيس الأميركي إلى انه يوافق على اي حل يرتضيه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، وانه لا يعترض على اي خيار "إن كان الدولتان او الدولة الواحدة". هذا التصريح الملتبس والمبهم، فسره وحلله وقرأ ابعاده القادة السياسيون والمراقبون من مختلف الدول والإتجاهات قراءات مختلفة، كل قرأه من خلفياته ورغباته وإنطلاقا من حساباته الخاصة. لكن الثابت في جميع القراءات، اولا غياب الرؤية الأميركية الواضحة للحل السياسي؛ ثانيا التمسك الأميركي بالحل السياسي من حيث المبدأ دون إدراك ماهيته؛ ثالثا خلق حالة من الفوضى والتشوش حول موضوع الدولتين. مما سمح لقادة الإئتلاف الإسرائيلي الحاكم التهليل "لإسقاط" ترامب خيار الدولتين، وهو ما فتح شهيتهم للتغول في وضع سيناريوهات تصفية عملية السلام كليا، عبر الإمعان في إعلان العطاءات لبناء آلاف الوحدات الإستعمارية في الاراضي المحتلة عام 1967. مع ان الرئيس صاحب الشعر الأصفر، أعلن امام رئيس الحكومة الإسرائيلية بضرورة التوقف عن البناء في المستعمرات الإسرائيلية قليلا او لبعض الوقت، ريثما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في عملية السلام. وهو ما جعل نتنياهو بعد عودته من واشنطن يدعو اقرانه في الإئتلاف الحاكم للتريث قبل الإقدام على أي خطوات إستعمارية جديدة. مع ذلك وقع نفتالي بينت، رئيس حزب البيت اليهودي إتفاقا مع مستعمري بؤرة "عمونة"، التي تم تفكيكها مؤخرا، ببناء مستعمرة جديدة لهم على اراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967. وهو ما يعني إصرار إسرائيلي على تحدي الإدارة الأميركية الجديدة، والمضي قدما في خيارها الإستعماري

وعلى اهمية ما تقدم، وبالعودة لموضوع الدولة الواحدة، طرحت القيادة الفلسطينية سؤالا على الرئيس ترامب عن ماهية الدولة، التي طرحها. هل هي دولة الأبرتهايد الإسرائيلية؟ ام دولة كل مواطنيها؟ وما هي مركباتها السياسية والقانونية والتشريعية الأمنية والثقافية؟وهل كان الرئيس الجمهوري يدرك ابعاد ذلك ام انه أطلق تصريحه دون ضوابط أو إدراك لإبعاده؟ وهل وضع قواسم مشتركة مع نتنياهو لقيام هذه الدولة؟ أم انه إستخدم هذا التصريح لإستشراف ردود الفعل الإسرائيلية؟ وهل القيادات الإسرائيلية معنية بقيام دولة واحدة تسقط خيارهم بإقامة "الدولة الصهيونية النقية"؟ أم انه طرح الموقف كنوع من وضع الثعبان في العب الإسرائيلي، كي يستيقظوا من هوس مواصلة الإستيطان الإستعماري وتبديد خيار الدولتين؟

اسئلة كثيرة يحملها السؤال الفلسطيني للرئيس ترامب وأركان الإدارة الجديدة كلها، وهو ايضا ملقى في وجه القيادات الإسرائيلية من مختلف التيارات والمشارب من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار، لتفكر مليا بالأمر. وقبل إجابة ساكن البيت الأبيض على السؤال، عليه ليس فقط الإستماع لقادة الدول الشقيقة والصديقة حول المسألة الفلسطينية، ولا يكفي أيضا إرسال رئيس السي آي إه او غيره من اركان الإدارة للقاء القيادة الفلسطينية، انما تملي الضرورة على الرئيس ترامب اللقاء المباشر مع الرئيس محمود عباس، رئيس الشعب الفلسطيني، والوقوف على رؤيته للحل السياسي، إن كان فعلا يريد خيار السلام. وكما قالت الإدارة الاميركية للرئيس ابو مازن "لا تسمعوا عنا، بل إسمعوا منا"، عليهم كما ابلغهم اللواء ماجد فرج أثناء زيارته الأخيرة لإميركا "ان يسمعوا منا، ولا يسمعوا عنا". ولهذا دعوة الرئيس عباس لواشنطن أكثر من ضرورية للرئيس الأميركي شخصيا، للإستماع إليه، والإطلاع على رؤيته السياسية. دون ذلك سيبقى الموقف الأميركي مبهما وغامضا. ولا يكفي التواصل بين الرئيسين عبر الوسطاء على اهمية القنوات، التي تم فتحها حتى الآن بين القيادتين الأميركية والفلسطينية، وبالتالي الضرورة تملي على قائد اميركا الجديد فتح الباب على مصراعية للتواصل مع الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية، ليتمكن من بناء جسور السلام إن كان جادا وصادقا في خياره.

ورغم عدم وضوح الرؤية الأميركية، وإتسامها بالضبابية، إلآ ان واجبها يحتم عليها، تحديد هذه الرؤية في اقرب وقت ممكن. لإن القيادة الفلسطينية لن تنتظر إلى ماشاء الله بلورتها للسلام. بالتأكيد القيادة وشخص الرئيس ابو مازن، إتفقوا على إعطاء أميركا فرصة لتلمس طريقها نحو وضع ركائز للتسوية السياسية، تقوم على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، وضمان السلام والتعايش والتطبع بين دول وشعوب المنطقة برمتها. غير أن لهذه الفرصة وقت وزمن محدد، وليس مفتوحا.