سأل الإعلامى أسامة كمال، محافظ البنك المركزى طارق عامر عن حديثه السابق عن أن الدولار سيصل إلى 4 جنيهات، فأجاب الرجل «النكتجى» قائلاً: «حديثى عن الدولار بـ4 جنيهات كان نكتة، والشعب المصرى بيحب النكتة، لكن المرة دى بيحبوا ياخدوا اللى على كيفهم ويحولوه لـ.. ما يصحش»، وبعيداً عن حقيقة أن لوم المحافظ للمصريين فى غير محله، لأن اللوم الحقيقى يقع عليه، فكلام المسئول لا بد أن يكون مسئولاً، هناك ثلاث ملاحظات لا بد من تسجيلها على هامش نكتة المحافظ.
الملاحظة الأولى أن لوم المحافظ للمصريين على السخرية من «نكتة الدولار بـ4 جنيه»، جاءت فى سياق حديثه عن أن التوقعات التى يعلنها البعض عن سعر الصرف خلال الفترة المقبلة غير حقيقية ولا تعتمد على أى أساس علمى. الحكمة تقول أقرب أذن إلى هذا اللسان أذن هذا الإنسان، كان من الأولى به أن يتذكر قاعدة «بناء التوقعات على أساس علمى» وهو يسمع المصريين نكتته. وحقيقة الأمر فإن من يشاهد الحوار الذى أطلق فيه المحافظ هذه النكتة يشعر أن الرجل لم يكن ينكت ولا يحزنون، بل كان يتكلم بجدية ويحاول التأثير بطريقة يمكن وصفها بـ«البلدى» على سعر الدولار أمام الجنيه داخل السوق المصرية.
وينقلنا هذا الحديث إلى الملاحظة الثانية، وتتعلق بـ«الأسلوب البلدى» الذى تسلكه الحكومة فى التعامل مع سوق الدولار بعد تعويم الجنيه. فناهيك عن أن البنوك أصبحت تعمل بنفس الطريقة البلدى التى تعمل بها شركات الصرافة، تتعمد الحكومة توظيف الشائعات حول الدولار -شأنها شأن صبيان «الصرافة»- من خلال «صبيانها» فى وسائل الإعلام، فتحاول بيع الوهم للناس، والناس إذا اشتروا الوهم مرة فلن يشتروه الثانية، وإذا دخلت عليه اللعبة يوماً، فلن تنطلى عليهم فى اليوم الثانى، لأن أصغر مواطن فى هذا البلد يعلم أن تصحيح أوضاع الجنيه أمام الدولار نتيجة لمقدمة تتمثل فى إصلاح الوضع الاقتصادى العاجز عن جلب دولارات من المصادر المختلفة التى اعتدنا عليها، كالسياحة والاستثمار وغيرها. أما الطرق «البلدى» الساذجة فلن تغير من واقع الحال شيئاً، وإن دلت على شىء فإنها تدل على أن المسئول لا يعتمد على أى أسس علمية فى الإدارة.
الملاحظة الثالثة ترتبط بالمأساة التى يعيشها قطاع كبير من المصريين، نتيجة «نكت الحكومة»، فحديث المحافظ يدل على أن الحكومة لا تكترث بمعاناة المواطن الذى تكويه الارتفاعات المتلاحقة فى الأسعار بعد تعويم الجنيه، تلك الارتفاعات التى قتلت الفقراء وأفقرت أبناء الطبقة المتوسطة فى زمن قياسى. المسئولون يعزون ارتفاع الأسعار إلى جشع التجار، رغم أن التجار يعملون فى كنف المحتكرين «أنتيم الحكومة»، ورغم أن الحكومة نفسها لا تقل جشعاً ولا طمعاً عن التجار، ولا تتوانى عن رفع أسعار فواتير الخدمات التى تحصلها منه، ولا تتلكع فى فرض الضرائب على كل شىء، حتى أوشك الهواء الذى يتنفسه المواطن على الدخول فى قائمة التعاملات الضريبية. وليتها بعد ذلك ترثى للحال التى أوصلت الناس إليها بسبب سياساتها، بل تلجأ إلى إطلاق النكات، وحقيقة الأمر فإن أكبر نكتة فى هذا البلد أن يظل هؤلاء المسئولون فى مواقعهم!.
عن الوطن المصرية