"تحليل تصريحات بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين يُبرز أنهم يشجعون الجنود والشرطة الإسرائيلية على قتل فلسطينيين بالغين وأطفال مشتبه بهم بمحاولة طعن أو دهس أو إطلاق النار على إسرائيليين في إسرائيل والضفة الغربية حتى إن لم يكونوا يشكلون أي تهديد". هذا ما أفادت به منظمة دولية عريقة مثل "هيومن رايتس ووتش".
لقد تميزت "الهبة الفلسطينية" منذ نهاية 2015 بمشاركة الأطفال والقاصرين في بعض عمليات المقاومة. ومن جهتها، واجهت قوات الاحتلال، بتعمد، تنفيذ عمليات إعدام ميدانية بحقهم، رغم عدم تشكيل هؤلاء الأطفال والقاصرين خطراً حقيقياً على الجنود أو المستعمرين/ "المستوطنين". كذلك، "شرّع" الكنيست "البرلمان الإسرائيلي" عددا من القوانين تستهدف ملاحقة الأطفال والسماح باعتقالهم ومحاكمتهم لمدة تصل إلى عشرين عاماً. وبحسب وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي 9920 عملية اعتقال لفلسطينيين منذ تشرين الأول 2015 (بداية الهبة) حتى نهاية 2016، بينها 2884 عملية اعتقال لفتيان تراوحت أعمارهم بين 11 و18 عاماً، و262 عملية اعتقال لفتيات قاصرات ونساء وأمهات.
وفي أحدث تقرير أصدرته "الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين" الأسبوع الماضي فإن "قوات الاحتلال قتلت 35 طفلا في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، خلال 2016، منهم 30 طفلا بالرصاص الحي، 14 منهم من محافظة الخليل وحدها". وأكدت "الحركة" أن "قوات الاحتلال تنفذ سياسة "إطلاق النار بقصد القتل"، التي وصلت إلى حد القتل خارج نطاق القانون".
سجل اسرائيل منذ تشكيلها حافل بانتهاكات حقوق الأطفال الفلسطينيين. وفي تقرير مشترك لمؤسسات تعنى بشؤون الأسرى (نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، مركز الميزان لحقوق الإنسان)، فإن "فئتي الشباب والفتية كانتا الأكثر عرضة لعمليات الاعتقال، إضافة إلى أنهما أكثر الفئات التي تعرضت لعمليات اعتداء خلال حملات الاعتقالات التي ينفّذها جيش الاحتلال بشكل يومي". ووفقا للمؤسسات سالفة الذكر "بلغ عدد الأطفال في سجون الاحتلال (300) طفل بينهم (11) فتاة قاصر". وهؤلاء الأطفال يتعرضون لما يتعرض له الكبار من تعذيب ومحاكمات جائرة، ومعاملة غير إنسانية تنتهك حقوقهم الأساسية، وتهدد مستقبلهم، فالاحتلال لا يراعي حداثة سن الأطفال أثناء تقديمهم للمحاكمة، ولا تشكل لهم محاكم خاصة. بل إن الاحتلال يضرب بعرض الحائط حقوق الأطفال المحرومين من حريتهم، ويتعامل معهم "كمشروع مخربين": معاملة قاسية ومهينة، من ضرب وشبح، وحرمان من النوم ومن الطعام، وتهديد وشتائم وتحرش جنسي، وحرمان من الزيارة، استخدام أبشع الوسائل النفسية والبدنية لانتزاع الاعترافات والضغط عليهم لتجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية.
وتفيد إحصائيات لوزارة الأسرى أن "حوالي 40% من الأمراض التي يعاني منها الأطفال الأسرى ناتجة عن ظروف اعتقالهم غير الصحية، وعن نوعية الأكل المقدم لهم". وفي تقرير آخر، قالت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين إن "جنود الاحتلال يعاملون الأطفال خلال اقتحام المنازل بأساليب العصابات". وأوضحت أنها "وثقت عدة حالات لأطفال تعرضوا لأساليب مختلفة من التهديد على يد جنود الاحتلال خلال اقتحام منازل ذويهم لتفتيشها، هي أشبه ما تكون بأساليب "رجال العصابات والمافيا"، الأمر الذي يترك أثرا نفسيا بالغا على هؤلاء الأطفال".
ينتهج الاحتلال الإسرائيلي سياسة التمييز العنصري ضد الأطفال الفلسطينيين. ففي حين يتم التعامل مع الأطفال الإسرائيليين من خلال نظام قضائي خاص بالأحداث تتوفر فيه ضمانات المحاكمة العادلة، وتعتبره كل شخص لم يتجاوز سن 18 عاماً، فإن سلطات الاحتلال تتعامل مع الطفل الفلسطيني بأنه كل شخص لم يتجاوز سن 16 عاماً. وخلافاً لالتزاماتها بتوفير ضمانات قضائية مناسبة لاعتقال الأطفال ومحاكمتهم بموجب اتفاقية حقوق الطفل والقانون الدولي الإنساني، تتعامل معهم من خلال محاكم عسكرية، تفتقر للحد الأدنى من العدل، خصوصاً الأمر العسكري 132، الذي يسمح لسلطات الاحتلال باعتقال أطفال في سن 12 عاماً. وبحسب تقارير هيئة شؤون الأسرى والمحررين: "إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تحاكم الأطفال في المحاكم العسكرية، حيث يتم محاكمة ما بين 500-700 طفل فلسطيني سنويا في هذه المحاكم". كما تظهر هذه التقارير فظائع من نوع: "طفل حكم عليه بالسجن المؤبد، وثلاثة أطفال محكومون مدة 15 عاماً، وأربعة أطفال محكومون من 5-9 سنوات. وأطفال حكموا من 1-3 سنوات بتهمة الانتماء للتنظيمات الفلسطينية، وبقية الأطفال محكومون من 6-18 شهراً بتهمة إلقاء الحجارة. وغالباً ما يكون الحكم مقروناً بغرامات مالية تتراوح من 1000-6000 شيكل".
وقبل أيام، حكمت محكمة الاحتلال المركزية بالقدس بالسجن ست سنوات على الأسيرة المقدسية منار الشويكي (16 عاما) من بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، التي تعدّ أصغر أسيرة مقدسية في سجون الاحتلال، بعد اتهامها بمحاولة تنفيذ عملية طعن ضد جنود الاحتلال.
استهداف الأطفال الفلسطينيين هي إحدى السياسات الإسرائيلية الثابتة التي ينتهجها الجانب الاسرائيلي بهدف بث الخوف في نفوسهم لقتل الأمل عندهم، علاوة على ضرب مستقبل الشعب الفلسطيني عبر قتل الأطفال أو هدم النفوس عند جيل يافع يشكل المخزون الاستراتيجي للشعب الفلسطيني.