لا شك أن اتفاق أوسلو انتهى إلى فشل ذريع بالنسبة للفلسطينيين. ويدرك الجميع، بمن فيهم من صنع "أوسلو"، أنّهم لم يصلوا لأهدافهم؛ سواء على الصعيد الوطني أو حتى الشخصي. فإذا استثنينا الرئيس الفلسطيني، فإنّ أغلبية الأشخاص الذي تفاوضوا وصاغوا، وحتى قادوا، "أوسلو"، يتعرضون وتعرضوا لإخفاقات وخلافات أخرجتهم من المشهد تقريباً. وتتعدى سلبيات "أوسلو" كثيراً ما هو شائع ومتداول؛ من مثل المكاسب التي حققها الإسرائيليون على صعيد علاقاتهم الدولية مع قوى كثيرة، عربية وغربية، ما كانت لتطبع علاقاتها معهم من دون الضوء الأخضر الفلسطيني. لكن رغم كل هذا، فإنّ الاستمرار في الحديث عن "أوسلو" ذاته لا يبدو ذا معنى، بمقدار العمل الفعلي على تجاوزه.
تشترك القوى التي أبرمت "أوسلو" والتي تعارضه في تخبطها في التعامل مع نتائج الاتفاق. فمثلا، بينما تبنت السلطة الفلسطينية، إبان حكومة سلام فياض، خطة لإتمام الاستعداد للدولة خلال عامين، وكان مفترضاً أنّ يتم ذلك مع العام 2011، فإنّه مع ذلك العام أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مقولته المشهورة عن تسليم مفاتيح السلطة للإسرائيليين. وناقش المجلس الثوري لحركة "فتح" الأمر باستفاضة حينها.
استمر الرئيس الفلسطيني في تهديداته بحل السلطة، في مناسبات مختلفة، وذلك حتى مطلع العام 2016، عندما توقفت تصريحات الرئيس الفلسطيني المهددة بهذا الصدد، بعد تناقل وسائل الإعلام الإسرائيلية تقارير أن السلطات الإسرائيلية تضع خطة طوارئ في حال انهيار السلطة الفلسطينية. وقال الرئيس عباس، خلال حفل أقيم في بيت لحم بمناسبة أعياد الميلاد: "سمعت في الأيام الأخيرة كثيراً من الأقوال حول السلطة وهدمها وتدميرها وسحبها، لكن السلطة إنجاز من إنجازاتنا لن نتخلى عنه". وقال: "لن يحلموا بانهيارها أبداً".
في المقابل، كان موقف حركة "حماس" لافتاً من هذا الموضوع. فهي لم ترحب بحل "السلطة"، وهو يمثل خيار مواجهة، بل طالب موسى أبو مرزوق، القيادي في الحركة، الرئيس عباس أن يسلم السلطة لحركته بدلا من تسليم مفاتيحها لرئيس الوزراء الإسرائيلي؛ فيما يبدو أنه حرص على السلطة، مع تغيير الجهة التي تقودها.
في مؤتمر فلسطينيي الخارج في اسطنبول، هذا الأسبوع، كان "أوسلو" هدفا للهجوم المركز، ما جعل المؤتمر يبدو جزءا من تنسيق معارضة سياسية، بدل عملية تكوين إطار فاعل تتناقش فيه الآراء، وتبلور خطط عمل وطنية.
إحدى الإشكاليات الأساسية أن اتفاق أوسلو في جزء كبير جدا منه لم يعد قائما، ومن ألغاه ليس الفلسطينيون، بل الطرف الإسرائيلي.
هناك واقع جديد، بعضه نتاج "أوسلو"، وبعضه ليس كذلك. لكن الاتفاق ذاته لم يعد ذا قيمة سياسية أو قانونية، فقد جاءت وثائق واتفاقات لاحقة نسخته، والحل هو التعامل مع الواقع الحالي، ومع نتائج "أوسلو"، من دون تضييع الوقت في الخطابة بشأن الاتفاق.
هناك في الإنجليزية تعبير "Unmaking"، وهو ما يمكن ترجمته إلى "صناعة عكسية". وهنا يصبح المقصود: العمل ضمن خطة متدرجة لتجاوز نتائج "أوسلو" والواقع الذي فرضه. وقد كانت هناك معارضة ضخمة، وما تزال هناك معارضة كبيرة، لـ"أوسلو" بين الإسرائيليين (وصلت حد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين). لكن لم يعد الإسرائيليون يذكرون الاتفاق، فقد تجاوزوه.
ليس الأمر سهلا، لأنّ هناك فئات استفادت من "أوسلو"، ولا تريد تغييرا فوريا وسريعا. لكن إذا رصدت النتائج السلبية التي أعقبت، وليس بالضرورة نتجت، عن اتفاق أوسلو، فإنه يمكن وضع خطة للتراجع، من دون معضلات إعلان الإلغاء من طرف واحد رسميا، أو الاستمرار في نشر التوتر داخليا على خلفية الاتفاق. فمثلا، يمكن وضع قائمة بأضرار "أوسلو" والعمل قدر الإمكان على معاكستها. ومن ذلك رصد العلاقات الدولية التي تطورت وكسبها الإسرائيليون بفضل الاتفاق، والطلب إلى الأصدقاء والأشقاء الدخول في عملية عكسية لخفض ووقف العلاقات. وهناك عملية تجميد منظمة التحرير لصالح السلطة، وإمكانية المضي بالطريق العكسية. وهناك إهمال الشتات الفلسطيني والعودة إليه، وطبيعة الثقافة الشعبية المرتبطة بالمرحلة... إلخ.
هناك لائحة مهمات للسير في الاتجاه المعاكس لنتائج "أوسلو"، يمكن لسائر الأطراف الفلسطينية القيام بها كل من موقعه، ومن دون التمترس عند شتم "أوسلو" الذي فقد معناه.
عن الغد الاردنية