الاكتشاف الأخطر: إسرائيل ستكرر أخطاءها إذا اندلغت الحرب قريباً!

020140807-145924293692607
حجم الخط

الاكتشاف الأصعب في تقرير المراقب عن حملة «الجرف الصامد» لا يوجد في التقرير إلا بين السطور: إذا دخلنا غداً في مواجهة عسكرية جديدة في غزة، فإنها ستدار مثل الحملة السابقة.
لم تحل مشكلة الأنفاق بعد، رغم الاستثمار المالي الهائل، والخطط العملياتية هي الأخرى لم تستكمل؛ الصواريخ، قذائف الهاون، والمقذوفات الصاروخية ستطلق إلى داخل إسرائيل، ولا تُستبعد امكانية أن تُشل حركة مطار بن غوريون.
السؤال حول سياستنا تجاه «حماس» سيبقى يحوم كسحابة من الغبار فوق مداولات الكابنت، وكذا ايضا سؤال هل نزج بقوات المشاة إلى الداخل.
في السنتين الماضيتين منذئذ لم تقع معجزة. فلم يجدوا جرة السمن. نحن في المعضلات ذاتها، مع القيادة ذاتها، مع الفكرة ذاتها، مع الجيش ذاته، مع تحسينات غير دراماتيكية.
ولكن لماذا نتوقع ما سيحصل غداً أو بعد غد ونحن نعرف ما حصل أمس وأول من أمس؟ الصواريخ أطلقت من غزة، وطائرات سلاح الجو انتجت سحابة من الدخان الأسود، لصالح الكاميرات، ورئيس الوزراء ألقى خطابا. انقط لي صاروخا وانقط لك قذيفة.. هذه هي الاستراتيجية التي ستقودنا نحو الحملة التالية.
حملة «الجرف الصامد» ليست قصور «يوم الغفران». فالعناوين الرئيسة الصاخبة تحيق ظلماً بالحقائق. من يقرأ تقرير الرقابة بعيون واعية، محررة من الرواسب الشخصية، من الميول السياسية ومن حروب الطين بين الجنرالات، سيجد فيه الكثير من المكتشفات المقلقة إلى جانب غير قليل من بقع الضوء.
لقد قام المراقب بعمله، ولعله كان يمكن كتابة تقرير ثاقب أكثر بكثير، وذي مغزى أكبر بكثير، ولكن هذا ما تستطيع هذه الأداة عزفه.
نتنياهو موضع النقد الرئيس في التقرير. فالنقد يتركز على خرق اللوائح: لم يبلغ نتنياهو أعضاء الكابنت، لم يتخذ قرارات، لم يعالج ما وصفه هو نفسه كتهديد استراتيجي.
والانطباع الناشئ من مجمل الأمر أكثر خطورة. لم يتصرف نتنياهو كزعيم: فهو لم يرسم سياسة لأنه ليس له سياسة؛ لم يفرض رأيه لأنه لا رأي له.
في هذا الفراغ كان يمكن أن يدخل وزير الدفاع، ولكن حسب التقرير هذا ايضا لم يحصل.
بوغي يعلون يبرز اساسا في امور لم يفعلها. لو كان له تأثير على اتخاذ القرارات، فان هذا لن يجد تعبيره في الكابنت.
المذهل هو الفجوة بين صورة نتنياهو كـ «سيد أمن» ودوره الحقيقي في إدارة الأمن وأدائه كزعيم للحكومة، الجيش، الشعب. الرجل عبقري في التسويق. فنان. رده الأول على التقرير كان مثالاً جيداً. قبل يوم من نزول تقريرٍ عرض أداءه في الحملة بعريه، يعلن أنه يسند الجيش الاسرائيلي حيال مراقب الدولة. فقد اصاب عصفورين بجملة واحدة – حرر نفسه من المسؤولية وعرض مكتب المراقب كعدو للمؤسسة الاعز على قلب الاسرائيليين، بل كخائن. الموت للمراقبين.
نتنياهو هو الوحيد، بين من وجه اليهم النقد، الذي يتولى المنصب الذي تولاه في الحملة، وعليه فان التقرير ذو صلة به قبل أي شخص آخر.
بوغي يعلون، الذي استقال، يشكل هدفا مريحا للجميع: لزملائه السابقين في «الليكود»، لنفتالي بينيت، ليوآف غالنت، كل وزراء اليمين الذين يحرصون على كرامة رئيس الوزراء ولكنهم ينزلون باللائمة بسرور على شريكه في الحملة، ووزير الدفاع؛ الذي يشكل هدفا مريحا لليسار، لأنه يوجد عميقا في اليمين.
لقد كان بينيت وليبرمان مثيري المشاكل في كابنت «الجرف الصامد».
ركّز بينيت على الانفاق. الاسئلة التي طرحها على يعلون وغانتس في الزمن الحقيقي كانت ثاقبة، وتقرير المراقب يتبناها.
ولكن بينيت يعرف أن من الافضل له أن يتواضع في الاحتفالات: فالعائلات الثكلى تنظر. وزملاؤه في الحكومة يتهمونه منذ الآن بالاحتفال على الدم.
وبالنسبة لليبرمان، لم يعد يروج لاحتلال غزة، فهو يروج للتسوية مع «حماس»، وهو يفهم كوامن قلب الشعب. هو رسمي حتى التعب.
النقد ضد قادة الجيش الاسرائيلي في قسم منه شامل ومعلل، وفي قسم منه مدحوض.
أبدأ بالقسم المدحوض: كُتاب التقرير يشتكون من رئيس الأركان، بني غانتس، ورئيس شعبة الاستخبارات، أفيف كوخافي، في أنهما لم يعملا المزيد لإجبار رئيس الوزراء ووزير الدفاع على عقد الكابنت في نقاش حقيقي حول الأنفاق. المرؤوس مسؤول عن تفعيل رئيسه. وعندما أعربت عن عجبي لهذه الملاحظة على مسمع من كُتاب التقرير أجابوا: «عندما يريد الجيش، فالجيش ينال ما يريده». هذا جواب لا مكان له في تقرير كل غايته هي تنظيم عملية اتخاذ القرارات. كما أن ليس له مكان في القانون.
الادعاءات الأخرى تتعلق بالأنفاق. ادعي ضد غانتس انه عشية الحملة أخرج القوات من البلدات بدلا من تعزيزها؛ لم يعد القوات لاحتلال الانفاق؛ وافق على القصف من الجو للفوهات رغم أنه كان يعرف أن هذا لن يعطل خطر الانفاق وسيجعل من الصعب على قوات المشاة تدمرها.
«القيادة السياسية أرادت احتواء الحدث، انهاءه في اقرب وقت ممكن، دون أن تدخل في عمل بري»، شرح غانتس للمراقب. «الدولة من حقها أن تجري إدارة للمخاطر الاستراتيجية».
يدعي التقرير ضد كوخافي بأنه قدر بأن «حماس» غير معنية بمواجهة عسكرية، وان المعلومات التي وفرتها شعبة الاستخبارات عن الانفاق لم تكن كافية؛ ومن جهة اخرى فانه يغدق الثناء على انجازات الاستخبارات في الحملة.
الفرضية التي ينطلق منها التقرير هي أن الانفاق تهديد استراتيجي.
هكذا قال نتنياهو ويعلون منذ 2013. هذه فرضية يمكن الجدال حولها: كانت وتوجد تهديدات أكبر. الدليل: اليوم ايضا، مع الانفاق الهجومية ذاتها، ولكنها أوسع وأكثر تطوراً، دولة اسرائيل حية ترزق، بل إن غلاف غزة حي يرزق ويزدهر.
في هذه الأثناء تسرح غانتس، وانتقل كوخافي الى فترة خدمة ناجحة كقائد المنطقة الشمالية. وبعد بضعة أيام سيتسلم مهام منصبه كنائب لرئيس الاركان. سألت أحد المسؤولين عن التقرير في مكتب مراقب الدولة إذا كان النقد يمس برأيه بفرص كوخافي ليكون رئيس الاركان. وكان جوابه قصيرا: «لا».
ان المقطع الاكثر تشويقا في التقرير يتعلق بقصف الفوهات. فقد قال نتنياهو للمراقب إنه كان يعرف بان القصف اشكالي، ولكن «وزير الدفاع ورئيس الاركان أوصيا. وسرت حسب توصيتهما (حسب البروتوكول، غانتس لم يُسأل، ويعلون الذي سُئل لم يجب)»؛ غانتس كان يعرف أنه توجد إمكانية ليطيل هدم الفوهات من الجو الاحتلال على الارض، ولكنه فضل التجربة؛ قائد المنطقة الجنوبية، سامي ترجمان، عارض قصف الفوهات؛ سلاح الجو آمن بقدراته؛ المراقب يقول إنه لم تكن للوزراء الذين أقروا العملية معرفة باشكالية القصف.
في ملاحظة جانبية يشكك التقرير في الاعتماد على قصف سلاح الجو. ويقول: «عندما قرر وزراء الكابنت مرامي الحملة وأوصى الجيش الإسرائيلي بتحقيقها بالقصف الجوي فقط لم يعرف وزراء الكابنت أن نجاعة هذه الهجمات محدودة، ضمن أمور أخرى بسبب الفجوة في بنك الأهداف».