أثار خبر منع أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب، من دخول مصر هذا الأسبوع، رغم ذهابه بدعوة رسمية، ضجة إعلامية تفوق، لدى كثير من وسائل الأنباء، وحتى لدى الدوائر السياسية، قضايا مثل المخططات الاستيطانية الإسرائيلية، واجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة حول فلسطين. وذلك في مؤشر على مدى تردي وضع القضية الفلسطينية، ومدى الانشغال في تفاصيل صغيرة. لكن، من جهة ثانية، تثير الخطوة أسئلة حول محددات الموقف السياسي المصري من الشؤون الفلسطينية في اللحظة الراهنة. وإذا كانت المؤشرات لا تنبئ بأنّ الموضوع يعبر عن موقف مصري من مجمل قيادة حركة "فتح" والقيادة الفلسطينية، فإنّها تحمل معنى بشأن طبيعة القضايا الموجودة على الأجندة المصرية في الشأن الفلسطيني حاليا.
قبل أيام قليلة من حادثة منع الرجوب، عقدت في القاهرة أعمال اجتماعات مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات، والتي ضمت عددا من أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وأعضاء في المجلس الثوري ومن الحركة، فضلا عن مسؤولين فلسطينيين آخرين، ما يعزز الفرض أنّ الموقف لا يتعلق بمجمل قيادة حركة "فتح". ولكن تبقى ضرورة الانتظار لرؤية أين سيمضي الأمر.
أشارت مصادر مصرية وفلسطينية إلى أنّ سبب المنع يعود إلى أحاديث نسبت للرجوب ينتقد فيها القيادة المصرية، وتحديدا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وموقفه الحاد بشأن جهود "الرباعية العربية" من عودة القيادي السابق، المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان. وهو موقف ربما يشاركه فيه عدة قياديين في "فتح"، ولكن يبدو أنّ ما نسب للرجوب من تعليقات بهذا الشأن، خصوصاً أثناء المؤتمر العام الأخير للحركة، هو ما يشار إليه على أنه السبب المحتمل للخطوة المصرية.
في الوقت الذي لا يتوقع أن تلجأ القيادة الفلسطينية إلا إلى تهدئة الموقف -ليس فقط لأن دور مصر العربي مهم جداً للقضية الفلسطينية، بل أيضاً لأنّ هذه القيادة تريد وتحرص على الموقف المصري المتناغم عادة مع الموقف الفلسطيني، والمنسجم مع نمط التفكير الفلسطيني- فإن هناك ثلاثة ملفات أساسية برزت في المرحلة السابقة، تشوش هذه العلاقة. أولها، موضوع محمد دحلان، وتحويل هذه القضية المحدودة الأهمية في المشهد الفلسطيني، والتي تم تجاوزها تقريباً على الصعيد الفلسطيني الداخلي، خصوصا عبر المؤتمر العام الأخير لحركة "فتح" الذي انعقد من دون أن يتوقف تقريباً عند موضوع دحلان، وتحويلها لقضية إقليمية، بدلا من تركها كموضوع داخلي فلسطيني. ويرتبط بهذا الأمر ملف آخر هو الأنباء عن التنسيق بين حركة "حماس" ومصر مؤخراً، لدرجة خفض التنسيق مع السفارة الفلسطينية في القاهرة ومع الجهات الفلسطينية الرسمية، لصالح التنسيق المباشر مع حركة "حماس" بشأن فتح المعبر بين غزة ومصر، وملفات أخرى؛ وذلك في "انقلاب" للموقف المصري المتشدد من "حماس". وهذا الانقلاب ربما يعود في جزء منه لحاجة مصر لتنسيق قضايا أمنية في سيناء مع "حماس"، ولكن في جزء منه لتسهيل مهمة دحلان في غزة. وثالثا، مواقف في الدبلوماسية الدولية، مثل سحب مصر مشروع قرار 2334 الخاص بالاستيطان، من التصويت في مجلس الأمن الدولي، ما اضطر الفلسطينيون للذهاب لدول صديقة غير عربية لتقديم المشروع الذي فاز بقبول المجلس، في سابقة تاريخية.
من الواضح أن قضايا ثانوية تسيطر على المشهد في العلاقات الفلسطينية المصرية. لكن من جهة، تبدو مصر موضوعا استراتيجيا لدى القيادة الفلسطينية، وبالتالي لديها تصميم على فعل ما يلزم لإعادة العلاقات مع القاهرة للمسار الصحيح، من دون أن يعني هذا التنازل في ملفات، مثل قضايا داخلية كدحلان، أو التراجع عن بعض المخططات في الساحة الدبلوماسية الدولية، ومن دون أن يكون هذا جزءا من تصور متفق عليه مسبقا ومنسق.
والواقع أنّه في المديين المتوسط والاستراتيجي يصعب رؤية استمرار الموقف المصري الحالي، أو استمرار المشهد الفلسطيني–المصري على هذا النحو؛ فهو أمر مضر للطرفين. لكن المشهد في اللحظة الراهنة يعكس حالة التشوش والتردي في خريطة التعاطي العربي مع الموضوع الفلسطيني، وهو ما قد تكون له آثار كبيرة، خصوصاً بسبب سياسات الإدارة الأميركية الجديدة.
عن الغد الأردنية