وجه الحرب على غزة

thumbgen (32)
حجم الخط
 

ضجّت إسرائيل، في الأيام الأخيرة، مع صدور تقرير "مراقب الدولة" حول الحرب العدوانية على قطاع غزة في صيف 2014. والتي سمتها إسرائيل "الجرف الصامد". والجانب الوحيد الذي تعامل معه التقرير هو جاهزية جيش الاحتلال لمواجهة الأنفاق من قطاع غزة، وآلية اتخاذ القرار. أما الجدل الإسرائيلي بشأنه، فكان حول الآليات الأكثر نجاعة لذبح أكثر ما يمكن من شعبنا الفلسطيني. ويبقى السؤال أمام هذه الحال: كيف اعتبرت جهات فلسطينية التقرير "نصرا للمقاومة"؟
لم تكن هناك حرب إسرائيلية واحدة إلا وتبعتها لجان فحص وتحقيق؛ لتخرج حيثيات تقاريرها بمعظمها لوسائل الإعلام، وينشغل بها الرأي العام الإسرائيلي، وحتى العالمي، وضمنه العربي، رغم أن هذه التقارير لا تلتفت للضحية الأساس إلا من باب كيفية القتل والتدمير أكثر. فهذه اللجان تقام من داخل المؤسسة، ووفق العقلية الإرهابية ذاتها المسيطرة على الحكم الإسرائيلي.
وهذا هو جوهر تقرير "المراقب" إياه. فهو ينتقد آليات اتخاذ القرار، وعدم اطلاع الحكومة على كامل التفاصيل الاستخبارية التي سبقت العدوان. إضافة إلى أنه ينتقد عدم إجراء أبحاث لفحص خيارات سياسية أخرى بدلا من الحرب. لكن هذا البند الأخير كان هامشيا في الانشغال الإسرائيلي بالتقرير.
وهذه الضجة الحاصلة هي واحدة من أساليب إسرائيل لتهميش الوجه الحقيقي لحروبها. وهي تنجح، كما يبدو، في هذه اللعبة المتكررة. فإذا ما التفتنا إلى أجواء وسائل الإعلام العالمية، نراها غارقة في التغطية، ولا نلمس لديها جهدا لإبراز الوجه الأساس لتلك الحرب الإجرامية: آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير واسع النطاق للقطاع. ومن المحزن أن رد الفعل الصادر من قطاع غزة، من حركة حماس، يساهم في الأجواء الإعلامية هذه؛ إذ اعتبرت الحركة التقرير بمثابة دلالة على "نصر المقاومة".
إن الحقيقة الوحيدة التي علينا التمسك بها وإبرازها لتلك الحرب، هي أن الاحتلال قتل ما يزيد على ألف فلسطيني في غضون بضعة أيام، ومعهم آلاف الجرحى، مع تدمير آلاف البيوت، وتدمير حياة عشرات آلاف العائلات، المدمّرة أصلا بفعل الحصار الإجرامي على القطاع.
الكاتبة الإسرائيلية عميرة هس، باتت معروفة كفاية في العالم العربي، وخاصة لدى شعبنا الفلسطيني، بقلمها الجريء واضح المعالم، كما زميلها غدعون ليفي. فقبل أيام، عادت هس وحذرت من تضخيم إسرائيل لحجم التسلح لدى المقاومة الفلسطينية واللبنانية. وقالت إن هذا التضخيم يهدف لتبرير حجم الضربات المقبلة. ولكنها أشارت في المقابل إلى أن المقاومة تتباهى بالتقارير الإسرائيلية، من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وهي بهذا تخدم عمليا، من حيث لا تدري، الهدف الإسرائيلي. وهذه ليست المرّة الأولى التي تحذر فيها هس من هذه المناورة الإسرائيلية، وأذكر لها ما كتبته في العام 2002، إبان عدوان الاحتلال واسع النطاق على الضفة والقطاع. وتطرقت إلى هذا الموضوع لاحقا أكثر من مرة.
فالمسألة ليست معنويات، وهذا الجدل يجب أن يخرج إلى النور من دون حرج. فما تسعى إليه "حماس" هو جني المكاسب السياسية، والظهور كمن تحتكر مقاومة الشعب الفلسطيني. وشعبنا حقا بحاجة إلى رفع معنويات، ولكن على أرضية واضحة وصلبة، معنويات تقود إلى استنهاض المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة التي لا تستثني أحدا. فما يضرب المعنويات ليس قول الحقيقة الدامغة، بل حالة الانقسام والشرخ المستمرة منذ ما يزيد على عشر سنوات، وظهورنا أمام العالم كشعب بعدة رؤوس.
وما يزيد الطين بلة، في هذه الحالة البائسة، هو مؤتمر اسطنبول الذي عقد قبل أيام، بهدف واضح: محاولة اختلاق إطار تمثيلي آخر للشعب الفلسطيني، بدلا من منظمة التحرير، رغم نفي القائمين عليه. وهنا من الضروري القول إن قيادة منظمة التحرير تتحمل مسؤولية كبيرة جدا عما آلت إليه الأمور في المنظمة، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وبشكل خاص الخلط شبه الكلي بين المنظمة وبين السلطة التي نشأت كنتاج لاتفاقات أوسلو، لخدمة شؤون الفلسطينيين في الضفة والقطاع. 
وساهم الخلط في تراجع حضور المنظمة بصفتها العنوان التمثيلي الوحيد للشعب الفلسطيني، وخلق الشعور بتحييد اللاجئين عن أولويات الأجندة الفلسطينية. إن المنظمة تحتاج لاستنهاض مؤسساتي، وعمل جدي لتوسيع الصفوف، على أساس القاعدة السياسية القائمة عليها، ومنع أي محاولة لاحتوائها، وجرها نحو أجندات ليست قائمة على أسس المشروع الوطني الفلسطيني.

عن الغد الأردنية