فى السنوات الأخيرة، تصدّر يوسف القرضاوى المشهد المتأسلم وجعل من خطبه وفتاواه وحلقاته التليفزيونية مطية للتأسلم، ويُقال -والله أعلم- إن لذلك ثمناً يأتيه من قطر وتركيا.. وحتى من التنظيم الدولى للإخوان. وقد يتصور البعض أن تأسلم «القرضاوى» موقف ثابت، فإذا بى اكتشف أنه مهنة يتقلب بها منافقاً، كلما وجد مصلحة فى ذلك. وإليكم الدليل الدامغ لهذا النفاق.
ففى عام 1998، أصدر الباحث الجاد د. عمر عبدالله كامل، وهو صاحب الموقف المحدّد والواضح ضد قوى الإرهاب المتأسلم، كتاباً يعتبر مرجعاً جاداً وشجاعاً ضد من سمّاهم الخوارج الجُدد وأعطاه عنواناً ملأ به صفحة الغلاف «الخوارج الجدد.. المتطرفون - استباحوا دماء المسلمين وقتلوا النساء والأطفال والمستأمنين - قرأه وقدم له د. يوسف القرضاوى - الناشر مكتبة التراث الإسلامى». ونبدأ مع المنافق الذى كان فى هذه السنوات يتزلف للنظام الساداتى، مسترزقاً من عطاياه هو أيضاً. وأستأذن القارئ فى أننى لن ألخص المقدمة، لكى لا يتصور أحد أننى أتدخل فى صياغة ما كتبه المنافق المتأسلم، وإنما سأورد مقاطع بنصها. فكل ما فيها كتبه هو نصاً.
■ إن التطرف آفة خطيرة على الفرد وعلى المجتمع وعلى المجتمع وعلى البشرية كلها سواء أكان تطرفاً فى الدين أو تطرفاً فى الدنيا. أى تطرفاً ضد الدين.
■ والتطرف فى الإسلام يقع تحت جملة عناوين، أولها «الغلو»، وفيه جاء حديث ابن عباس عن أحمد وأبى داود عن رسول الله، إياكم والغلو فى الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو فى الدين.
■ والعنوان الثانى «التنطع» وفيه جاء حديث ابن مسعود فى صحيح مسلم عن الرسول الكريم قال «هلك المتنطعون» قالها ثلاثاً. والمتنطعون هم المتعمقون الخارجون عن حد الوسط.
■ والعنوان الثالث «التشدد» كما جاء فى حديث أنس مرفوعاً عن أبى يعلى «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم، فشدد عليهم» وفى حديث نقله أبوهريرة وأورده البخارى «لا يشاد الدين أحد إلا غلبه». والعنوان الرابع هو «التيسير» فقد روى الشيخان عن أنس أن رسول الله قال «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا». ومعنى التعسير أن تجعل الأمر اليسير عسيراً والسهل صعباً.. والعنوان الخامس «التنفير»، ويكون فى مجال الدعوة.. والإسلام يريد للمسلم أن ينهج المنهج الوسط، بعيداً عن الإفراط والتفريط، وقال تعالى «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً».. وقد ابتليت أمتنا من قديم الزمان بالغلاة (الخوارج) الذين استحلوا دماء المسلمين الآخرين وأموالهم، وكل من لا يرى رأيهم حتى كفروا ابن الإسلام البكر على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه، وقاتلوه، ثم قتلوه غيلة وغدراً وهم يتصورون أنهم يتقربون إلى الله بسفك دمه الطاهر.. وكان هؤلاء الخوارج من المكثرين للصيام والقيام وتلاوة القرآن حتى قال فيهم الحديث الصحيح «يحقر صيام أحدكم إلى صيامهم وقيامه إلى قيامهم وقراءته إلى قراءتهم، لكنهم يقرأون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، وهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية». ويبين الحديث الشريف أن آفة هؤلاء ليست فى ضمائرهم وإنما آفتهم فى عقولهم. فهم يقرأون القرآن قراءة لا تتجاوز الحناجر كى تدخل إلى العقول لتفهم والقلوب لتستبصر». وفى حديث آخر «إنهم يدعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام».. وفى عصرنا ابتليت أمتنا بأصناف من الغلاة ورثوا غلو الخوارج القديم، ربما كان لديهم بعض إخلاص الخوارج مع سوء فقههم، وربما لم يكن عند آخرين منهم تدينهم ولا الدعاوى العريضة ولا فقه ولا إخلاص الخوارج القدامى، وهم لا يحملون عقلاً ذكياً ولا قلباً نقياً، وإنما هم مغرورون: غرتهم أنفسهم، وغرتهم الأمانى، وغرهم بالله الغرور وإذا اجتمع الجهل والغرور كانت فتنة فى الأرض وفساد كبير.. ويقول «القرضاوى» لقد شغلت منذ نحو ربع القرن بما شغل به الدكتور عمر كامل الآن، أى بالوقوف فى وجه التطرف والمتطرفين، لما رأيت خطره على الدين والدنيا وعلى الفرد والأمة. وأصدرت فى ذلك رسالة «ظاهرة الغلو فى التكفير» التى ظهرت أول ما برزت فى مصر، وسرت العدوى فى غيرها بعد ذلك كموجة تكفير للناس بالجملة. ثم أصدرت كتابى «الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف»، وهو يتحدث عن ظاهرة التطرّف وعلاماته وأسبابه وعلاجه.. ولقد رأينا نتيجة الغلو فى ما يجرى فى الجزائر الحبيبة من دماء تُسفك وحرمات تُنتهك، وأبكار تغتصب وأموال تنهب ومنشآت تدمر، وينسب هذا كله وا أسفاه إلى الإسلام. ولهذا وقفت قلمى ولسانى وفكرى عن الدعوة إلى الوسطية والاعتدال ورفض الغلو والتفريط، سواء فى مجال الفقه أو الفتوى أو فى مجال التبليغ والدعوة.. وقد قال الإمام الشاطبى «المفتى البالغ ذروة الدرجة هو الذى يحمل الناس على الوسط فى ما يليق بالجهود، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الأغلال.. وفى مجال الدعوة قال الإمام على رضى الله تعالى عنه: «ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه هو من لم يدفع الناس إلى اليأس من روح الله ولا يؤمنهم من مكره، أى يحملهم على الوسط». والآن يا شيخ قرضاوى أين أنت بما تتاجر به من فتاوى متأسلمة تكفر بها كل من تخاصمهم إرضاءً لمن يدفعون؟ وأين ذلك كله مما قلت عام 1998.. عندما كان التطرف المتأسلم يأتى على يدى عدد من الشباب فى مدن وقرى الصعيد واستطاع الأمن أن يُجهز عليهم بعد أن تحولوا إلى أفاعٍ سممت اليد التى أطعمتها ومنحتها قوة ومالاً وسلاحاً، فاغتالوا «السادات».
فما بالك الآن يا شيخ قرضاوى تتملق وتنافق وتكاد أن تركع أمام إرهابيين يسفكون دماء الآلاف ويستبيحون الحرمات ويسبّون الفتيات ويحللون ما سمّوه نكاح الجهاد.. أو جهاد النكاح.. أين أنت ممن يدفعون بعد أن اغتصبوا مساحة من الأرض من أصحابها وسموها «الدولة الإسلامية»، وأنت تسميها كذلك، وتقبض مالاً سحتاً منهم وممن يشجعونهم ويمولونهم؟
أين أنت يا شيخ.. وهل تستطيع الآن أن تنطق، وهل يمكن لقناة الإفك والتضليل أن تذيع هذه المقدمة.. أم أن الله ستار؟ لكن الله لا يستر عورة المنافقين.