تداولت وسائل الإعلام منذ فترة ليست بالقصيرة حول استعداد حركة حماس لإعداد ونشر وثيقة جديدة تحدد فيها موقفها حول الكثير من القضايا الراهنة التي تعصف بالمنطقة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي ، خاصة وأن حركة حماس أصبحت لاعبا أساسيا في المنطقة ومطلوب منها الإجابة عن الكثير من التساؤلات العامة التي تطرحها أوساط دولية بالدرجة الأولى وعربية ومحلية بالدرجة الثانية ،، حيث أنه أصبح واضحا وجليا أنه من خلال تلك الإجابات التي يجب أن تكون واضحة وصريحة ولا تحمل أكثر من مدلول سيكون تحديد مكانة حماس الإقليمية والدولية وكيفية التعاطي معها وتحديد المواقف منها سواء اقتراب بعض الأطراف أو ابتعاد أطراف أخرى ،، وهذا في النتيجة سيؤدي الى طريقة توصيف ووضع الحركة على السلك السياسي الرسمي الدولي ..
حركة حماس لديها ميثاق تم صياغته بشكل سريع عند انطلاقتها في العام 1988 ليتناسب مع تلك المرحلة ويجيب عن الكثير من التساؤلات حول علاقة الحركة الوليدة مع الأطراف المحيطة بها ، وكانت أهم وأبرز تلك الأطراف هي منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية والمحيط العربي والكيان الإسرائيلي ،، وتم صياغة تلك الموقف بشكل مختصر ومحدد منها بما يتلاءم وطبيعة تلك المرحلة المتأججة وذات الأحداث المتسارعة في بداية صعود الانتفاضة الكبرى 1987 ، خاصة وأن الحركة واجهت كل الأطراف لإثبات ذاتها ونجحت في ذلك بشكل كبير ، ولكنها لم تكن في ذلك الوقت تمارس العمل السياسي التقليدي ، وكان خطابها الإسلامي هو الغالب في موقفها من كافة القضايا العامة ومن الأنظمة العربية والدولية القائمة ولم يكن لها أي علاقات رسمية تخشى عليها ، ولكن كانت تمتلك قوة الحضور والتأثير من خلالها علاقاتها الشعبية المنتشرة في كل أرجاء العالم من خلال الحركة الإسلامية الأم – جماعة الإخوان المسلمين – والذي نص الميثاق صراحة على تلك العلاقة .
اليوم حركة حماس في مكان مختلف تماما وتقدمت بشكل يتناسب مع قوة حضورها وتأثيرها ودخلت عالم السياسة التقليدي والمباشر ومارست الحكم وأصبح لديها علاقات دولية وشبكة علاقات ضخمة تجاوزت كل الحدود ، لم تعد حركة محصورة ومحدودة على فكرها الخاص ولم يعد أنصارها محصورين بالمنتمين إليها فقط بل تجاوزت كل ذلك وأصبحت حركة شعبية عامة يهتم بكل تفاصيلها كافة الأطراف ،، وأصبحت لاعبا إقليميا واضحا ،، وأي موقف تتخذه يتجاوز تأثيره حدود التنظيم بل وأكثر من ذلك بكثير ،، لذلك لم يعد الميثاق الأول كاف على الإجابة على الكثير من المتغيرات ، ولم تعد المرحلة اليوم وفلسفتها ومتطلباتها كتلك المرحلة ، ولم تعد اللغة التي كانت مقبولة حينها سيفهمها الكثيرين اليوم .
حركة حماس قدمت عبر الحوارات الرسمية معها مع أطراف دولية وإقليمية رؤية سياسية عامة تتجاوب مع النهج السياسي الدولي العام فيما يتعلق بالحلول المطروحة للقضية الفلسطينية والعلاقات الدولية القائمة على تحقيق المصالح ، ولكن مع بعض الحذر المعروف ، وفي لقاء لي مع شخصيات رسمية أمريكية وأوربية قالوا إن " ما وصل إلينا من مواقف معتدلة من حركة حماس عبر الوسطاء والأصدقاء المشتركين كاف لبدء حوار وعلاقة رسمية مع الحركة ولكن لازالت تلك المواقف تقال في اللقاءات الخاصة جدا ولا تنعكس على موقف الحركة الرسمي بعد " ،، المطلوب الآن هو الإعلان الرسمي عن كل تلك المواقف بشكل رسمي ، وهذا ما ينتظره المراقبون من حركة حماس ..
حركة حماس ستكون بين ميثاقين لا يعني وجود تناقض بينهما ولا يعني تراجع من الحركة عن مواقف ثابتة تؤمن بها ، ولكن تحتاج الى إعادة صياغة يتناسب مع تطورات الحركة في تعاملها مع المرحلة الراهنة بما ينسجم ودورها المأمول مستقبلا وذلك من خلال استكمال النقص في الميثاق أو تكملة المسكوت عنه بشكل واضح وصريح ، وصياغة ما تم عرضه بشكل عام الى تفصيلي محدد ..
ومن خلال مشاركاتنا في مؤتمرات دولية ذات صلة بالموضوع فإن أطرافا دولية مهمة تنتظر وتترقب هذا التوضيح الرسمي لأن هناك رغبة وقناعة لدى بعض الأطراف الدولية بضرورة الاقتراب أكثر من حركة حماس بقدر اقتراب الحركة أكثر من مواقف تلك الأطراف .