مراقب الدولة في اسرائيل نشر تقريرة الثلاثاء الماضي و الذي تم اعداده على اثر اللغط و الجدال و المناكفات بين قيادات الجيش و المستوى السياسي خلال و بعد انتهاء عدوان ٢٠١٤ على غزة و الذي استمر مايقارب الشهرين، وخاصة الجدل حول ما اذا كان الجيش الاسرائيلي يدرك و مستعد كما ينبغي لمواجهة خطر الانفاق الهجومية التي اعدتها المقاومة ، وخاصة حماس.
التقرير الذي يتكون من مئتين صفحه و الذي استمر اعداده ما يقارب العامين و شارك فيه العشرات من المختصين الذين تم الاستعانة بهم لهذه المهمه تركز حول نقطة اساسية و هي مدى الاستعداد ، وكيفية التعامل مع تهديد الانفاق و هل تم ازالة هذا التهديد مع انتهاء الحرب ام ان التهديد ما زال قائم. وهل هو تهديد استراتيجي لا يمكن التعايش معه و يجب ازالته ، ام هو تهديد كباقي التهديدات التي تحيط باسرائيل من كل جانب منذ تأسيسها و لكن يمكن التعايش معها و مواجهتها و ايجاد الحلول لها.
من المفترض ان هذا التقرير هو تقرير مهني ، خالي من اي حسابات سياسية، سيما ان مراقب الدولة يتم انتخابة مباشرة من الكنيست و ليس الحكومة، اي السلطة التنفيذية ليس لديها اي سلطة عليه، و لا يتم اقالته الا بتوفر ثلاثة ارباع الكنيست ، راتبة ايضا تقرره اللجنة المالية في الكنيست و ليس وزارة المالية. موازنة مؤسسة مراقب الدولة هي ٣٤٩ مليون شيكل في السنة و يعمل فيها حوالي ٥٥٠ شخص منهم حوالي خمسين مدراء دوائر و تصل رواتبهم الى ٥٠ الف شيكل في الشهر. على الرغم من ذلك هناك من يعتقد ان التقرير الذي تم اعداده تفوح منه رائحه سياسية .
على اية حال ، هناك بعض الملاحظات التي تهمنا نحن الفلسطينيين ، اهمها:
اولا: ليس هناك استراتيجية اسرائيلية للتعامل مع غزة و مستقبلها. لا يوجد استرتيجية لدى الجيش و لا يوجد استراتيجية لدى المستوى السياسي. الجيش كل الخيارات امامه صعبه و لا يفكر مطلقا في خيار اعادة احتلال القطاع و بالتالي الحفاظ على الوضع القائم هو اقل الخيارات سوء. و المستوى السياسي ليس لدية اي خطة سياسية لتغيير الوضع في غزء سواء بشكل منفرد بمعزل عن الضفة الغربية او من خلال حل سياسي شامل. المستوي السياسي بزعامة نتنياهو ، وفقا لما ذكره التقرير لم يناقش هذا الامر حتى عندما اوصى مجلس الامن القومى اجراء حوار مع حماس الذي رفضه نتنياهو.
ثانيا: اسرائيل تدرك ان الوضع الانساني في غزة يزداد تدهورا، و ان انفجار هذا الوضع اذا استمر الحال على ما هو عليه هو مسألة وقت فقط. ووفقا لتقديراتهم، الانفجار سيكون بالدرجة الاساسية في وجه اسرائيل. علي الرغم من ذلك اسرائيل لا تفعل اي شيء ذي اهمية لتجنب هذا الانفجار ، بل الامور تزداد ترديا. اخر الاشارات الاسرائيلية بهذا الصدد كانت ما قاله رذيس شعبة الاستخبارات الاسرائيلية هرتسي هليفي امام لجنة الخارجية و الامن قبل يومين بان هناك في غزة ازمة انسانية حقيقية، وحول الضفة قال ان فقدان الامل السياسي سيقود الي العنف لذلك دعى الي اتخاذ اجراءات تؤدي الى تحسين الوضع الاقتصادي.
ثالثا: الانفاق على الرغم من خطورتها لا تشكل خطر استراتيجي على وجود اسرائيل ، هذا لا يعني التعايش مع هذا الخطر . الحرب رغم مدتها الطويلة لم تستطع القضاء سوى على نصف هذه الانفاق حيث تم تدمير جزء بشكل كلي و تدمير البعض بشكل جزئي و تعطيل عمل البعض الاخر، و لكن نصف الانفاق بقيت كما هي. كان هناك انتقاد لاستخدام الطيران في قصف هذه الانفاق مما اثر بشكل سلبي على عمل القوات الارضية ، وخاصة سلاح الهندسة ، علاوة على ذلك ان القصف بالطيران عرض حياة الجنود للخطر.
رابعا: كشف التقرير عن العجز الاستخباراتي الاسرائيلي في الحصول على معلومات كافية لهذه الانفاق، سيما ان هناك عدم تطابق او فروقات في المعلومات التي كان يزود بها من استخبارات الجيش و من جهاز الشاباك. عدم الانسجام في هذه المعلومات و البيانات ادى الى ارباك الجيش و اثر على فاعليته في مواجهة خطر هذة الانفاق. الاستنتاج ان الحرب القادمة اذا ما حدثت سيتم التعاطي مع خطر الانفاق بالاعتماد علي سلاح الهندسة و القوات البرية اكثر من الاعتماد على القصف الجوي.
خامسا: التقرير شكل اطلالة مهمة على الية اتخاذ القرار في اسرائيل ، خاصة بين المستوى العسكري و المستوى السياسي، و كشف عن الخلل في الية اتخاذ القرار ، خاصة بين قيادة الجيش و المستوى السياسي المتمثل في الكابينت، و كذلك تآثير مجلس الامن القومي على الية اتخاذ القرار. التقرير يشير بشكل واضح ان الجيش لم يطلع الكابينت على المعلومات المطلوبة في الوقت المناسب لكي يتخذوا القرار. من الناحية العملية كان هناك مطبخ للحرب متمثل في نتياهو كرئيس للوزراء و رذيس الاركان ووزير الدفاع . بقية اعضاء الكابينت لم يكونوا شركاء في اتخاذ القرارات و كانت تنقصهم المعلومات. بل تم اخفاء معلومات مهمه عنهم.
لذلك هناك مشروع قرار في الكنيست ينص على تشريع قانون يحدد صلاحيات و واجبات كل عضو كابينت و كذلك عليه ان يخصص نصف يوم في الاسبوع لدرسة التقارير الاستخبراتية و تعيين سكرتير عسكري له يساعده في فهم هذه التقارير لكي يستطيع ان يشارك في اتخاذ القرارات السليمة.
سادسا: كان هناك جدل خلال الحرب حول اخلاء او عدم اخلاء سكان غلاف غزة ، و على الرغم ان الجيش يدعي بأنه استخلص العبر من الحرب الاخيرة في كل ما يتعلق بمواجهة خطر الانفاق الهجومية من خلال تطوير منظومات و عمل جدران ارضية و ربما حواجز مائية على طول الحدود مع غزة الى ان الحرب القادمة اذا ما حدثت ، على الارجح سيتم اخلاء سكان غلاف غزة من بداية الحرب.
سابعا: ضحايا هذا التقرير ، بشكل متفاوت هم نتنياهو كرئيس وزراء حيث كان يقدم نفسه علي انه رجل الامن الاول و الخبير الدولى في مواجهة الارهاب ، التقرير يقدمه علي انه متردد في اتخاذ القرارات و لا يملك الرغبة في اتخاذ اي قرار استراتيجي سواء كان سياسي او عسكري. و المتضرر الثاني هو وزير الدفاع يعلون والثالث رئيس الاركان بني غانتس اللذان خرجا بصوره سيئة من حيث الاداء و عدم اطلاع الكابينت علي ما يجب من معلومات و اشراكهم في اتخاذ القرارات. و المتضرر الاخير هو رئيس شعبة الاستخبارات خلال الحرب افيف كوخافى الذي لم يكن لشعبة الاستخبارات التى يرئسها ما يكفي من معلومات لمواجهة خطر الانفاق.
من ناحية اخرى المستفيد الاكبر و ربما الوحيد من هذا التقرير هو نفتالي بينت زعيم البيت اليهودي الذي اشار فى البداية الي خطر هذه الانفاق و القصور بعدم التعامل مع هذا الخطر بما يستحق من اهتمام. هذه الاستفادة على الارجح سيتم ترجمتها الي مقاعد في الكنيست القادمه .
خلاصة القول، اسرائيل لا ترى في الانفاق تهديد استراتيجي يهدد وجودها، وبالتالي ليس هناك حاجة ملحه للخروج الى حرب جديدة. تطور من قدراتها على مواجهة هذا الخطر و تستغل سقوط اي صاروخ منطلق من غزة لاستخدامه ذريعه لعمليات قصف تعتقد انها تشوش و تعيق عمل هذه الانفاق. تدرك ان الوضع الانساني في غزة قابل للانفجار، وهذا الانفجار سيكون في وجهها و ليس في وجه اي طرف اخر او في اي مكان اخر، و بالتالي اذا ارادت تجنب هذا الانفجار عليها ان تعيد النظر في سياستها تجاه قطاع غزة لتجنب انهيار منظومة الحياة الانسانية و بالتالي تغيير جذري في الوضع القائم الان.
في نفس الوقت تقديرهم ان حماس ايضا غير معنية في مواجهه جديدة ، و تبذل الكثير من الجهد لكي تتجنب الدخول في اي مواجهه هي لا تريدها، لكن استمرار تراجع الوضع الانساني في غزة قد يضع حماس امام خيارات صعبة.