مصطلح معاداة السامية هو مصطلح قديم اخترعه اليهود الاوروبيون الذين هم اصلاً لا ينتمون الى الساميين منذ نهاية القرن التاسع عشر للاشارة الى اي حركة منظمة ضد اليهود.
وقد استخدم هذا المصلح لاول مرة عام ١٨٧٩م لتمييز الحركة المضادة لليهود، وتطور فيما بعد ليشمل كل من يعادي اليهود ليس لأسباب دينية بل لأنهم سيطروا على اقتصاد العديد من الدول الاوروبية، وفي المرحلة الحالية تستخدمه دولة الاحتلال الاسرائيلي ضد كل من يعارض او ينتقد اسرائيل والحركة الصهيونية على ممارساتهم ضد شعبنا الفلسطيني.
وما يهمنا في هذه العجالة ما ظهر مؤخراً في الولايات المتحدة الاميركية ومن قبل في فرنسا ضد اليهود هناك والذي تدعي حكومة الاحتلال بأنه معاداة للسامية.
ومن خلال نظرة سريعة على ما حدث في الولايات المتحدة الاميركية من تحطيم لشواهد العديد من قبور اليهود في عدة ولايات اميركية وكذلك الانذارات بوجود قنابل في عدد من المؤسسات والمدارس اليهودية مما ادى الى اخلائها واستنفار قوات الامن الاميركية في الولايات المتحدة التي نفذت فيها تحطيم شواهد القبور وهذه الانذارات التي تبين فيما بعد بأنها انذارات كاذبة تحمل عدة اهداف.
وقبل الولوج في الحديث عن هذه الاهداف لا بد من الاشارة الى ان هذه الممارسات لا يمكن ان يقوم بها افراد، بل لا بد من ان تكون هناك مجموعات تنتمي اما لجميعة او منظمة معينة، كما ان باستطاعة اجهزة الامن الاميركية التي تمتلك معدات متطورة كشف من يقف وراء هذه العمليات خاصة وانها جاءت على مدار عدة ايام وفي عدة ولايات، مما يثير الشكوك حول الجهات المنفذة واهدافها والغرض منها.
وفي اعتقادنا ان من ابرز الاهداف وراء هذه الاعتداءات هو العمل على تهجير اكبر عدد من الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة الى اسرائيل كما حدث في تسعينيات القرن الماضي عندما هاجر الى اسرائيل مليون روسي عقب انهيار الاتحاد السوفياتي واستغلال دولة الاحتلال لهذا لانهيار من اجل هذه الهجرة تحت ادعاءات الخوف من معاداة السامية وعدم تمكن اجهزة الامن الروسية من حماية اليهود هناك.
وما يؤكد هذا الهدف انه بعد موجة الاعتداءات والانذارات في عدة ولايات اميركية على مقابر يهودية ووجود قنابل في مؤسسات ومدارس تعود لليهود الاميركيين التصريح الذي ادلى به اسحق هيرتسوغ زعيم المعارضة الاسرائيلي نهاية الشهر الماضي اي عقب بدء هذه الاعتداءات والتي دعا فيها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الى تشكيل لجنة طوارىء لاستقبال اعداد كبيرة من المهاجرين اليهود الى اسرائيل من الولايات المتحدة وفرنسا.
وسبق ذلك دعوة نتنياهو اكثر من مرة يهود فرنسا للهجرة الى اسرائيل حيث كان يستغل اي عمل مناوىء لهم حتى ولو كان على خلفية عادية وليس عنصرية متطرفة لكي يدعوهم للهجرة وقد دعاهم في احدى المرات عندما كان في زيارة لفرنسا وعندها انتقده عدد من المسؤولين الفرنسيين على هذه الدعوة وكأن اسرائيل هي آمنة لهم اكثر من فرنسا بلد الديمقراطية وحقوق الانسان رغم انحيازها في الكثير من الاحيان على الصعيد الخارجي الى انظمة دكتاتورية وكذلك لاسرائيل.
وما يعزز هذا الاعتقاد سياسة الضم والتوسع التي تمارسها اسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة في الضفة الغربية حيث التوسع الاستيطاني قائم على قدم وساق الى جانب مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وتشريع البؤر الاستيطانية المقامة على الأراضي الفلسطينية الخاصة ورفضها للسلام وللرؤية الدولية بإقامة دولتين لشعبين واصرارها على مواصلة احتلالها للأرض الفلسطينية تحت مزاعم انها ارض يهودية ووضعها اشتراطات لا يمكن قبولها من أجل استئناف محادثات السلام مع الجانب الفلسطيني رغم ان هذه المحادثات التي استمرت على مدار حوالي ربع قرن لم تسفر عن اي نتيجة، بل على العكس من ذلك زادت من شراهة الاحتلال في سلب المزيد من الأراضي ومضاعفة الاستيطان بنسب عالية جداً لمنع اقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، بل جعل الضفة الغربية عبارة عن كانتونات منعزلة بين كل مدينة وأخرى وبين كل بلدة وأخرى وبين كل قرية وأخرى عدة مستوطنات.
أما الهدف الآخر من هذه الاعتداءات فهو ارغام بعض الجاليات اليهودية الموجودة في الولايات المتحدة والتي تنتقد بعض الممارسات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة على دعمها لاسرائيل سياسياً ومادياً من أجل مواصلة سياساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة وأن بعض هذه الجاليات أخذت تنتقد اسرائيل والحكومة اليمينية المتطرفة والعنصرية علناً، بما في ذلك منظمة «جي ستريت».
ومن هنا فليس من المستبعد ان تكون بعض الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة المؤيدة والداعمة لاسرائيل وراء مثل هذه الاعتداءات لإرغام عدد كبير من اليهود على الهجرة لاسرائيل او ارغام بعض المنظمات والجمعيات اليهودية المعارضة لسياسة اسرائيل على تقديم الدعم المادي لها وتأييد سياساتها ضد الفلسطينيين ومواصلة وتعزيز احتلالها للأرض الفلسطينية.
وقد اشار البعض في الولايات المتحدة الى هذا الأمر عندما اعلنوا بأنه من غير المستبعد أن تكون جهات يهودية وراء مثل هذه الاعتداءات لإثارة الرعب في قلوب اليهود الاميركيين وارغامهم على الهجرة لاسرائيل.
ومن الممكن ان تكون بعض أجهزة الأمن الاميركية وكذلك اسرائيل على معرفة ودراية بهذه الاعتداءات لدب الرعب في نفوس اليهود وهو ما حدث جراء هذه الاعتداءات لضمان هجرة عدد كبير من الجاليات اليهودية في اميركا وغيرها الى اسرائيل.
كما ان تصريحات نتنياهو التي أعلن فيها تأييده لقرار الرئيس الأميركي ترامب اقامة جدار عازل بين اميركا والمكسيك على الحدود بين البلدين وعرضه الخبرة الاسرائيلية في هذا المجال على الاميركيين كان من بين اهدافه هو استفزاز حكومة المكسيك كي تقوم بتهجير اليهود المكسيكيين الى اسرائيل، اما بقرار حكومي او قيام العديد من اليهود هناك بالهجرة الطوعية لاسرائيل خوفاً من ردات فعل الشعب المكسيكي على تصريحات نتنياهو الداعمة لإقامة هذا الجدار العازل.
وهناك ايضا هدف آخر وراء اية اعتداءات على اليهود في بلدان العالم لإرغامهم على الهجرة الى اسرائيل وهو خوف اسرائيل من العامل الديمغرافي في المستقبل ليصبح الفلسطينيون أكثرية في أرض فلسطين التاريخية وبالتالي سيسيطرون على الحكم ولن تكون هناك دولة يهودية، كما يشترطون على الجانب الفلسطيني الاعتراف باسرائيل كدولة للشعب اليهودي.
وهذا الخوف من العامل الديمغرافي يؤكده مواصلة اسرائيل احتلالها للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية والادعاء بأنها ارض يهودية منذ آلاف السنين، وكذلك الزيادة في نسبة المواليد لدى الفلسطينيين عن الاسرائيليين الامر الذي يعني انه بعد عشرات السنين سيصبح الفلسطينيون هم الاكثرية.
ان جميع هذه المعطيات يجب أن تدق ناقوس الخطر لدى الجانب الفلسطيني، فلم يعد خطر التوسع الاستيطاني السرطاني ومصادرة الاراضي وضم القدس وتهويدها هو الخطر الوحيد، بل ان خطر هجرة المزيد من يهود العالم الى اسرائيل هو الآخر يضاف الى المخاطر أو الخطر آنف الذكر الأمر الذي يستدعي من القيادة الفلسطينية ومختلف فصائل العمل الوطني والاسلامي التحرك العملي والفاعل من أجل مواجهة هذه المخاطر التي تحيط بالقضية الفلسطينية من كل جانب، وعدم ابقاء الوضع على ما هو عليه الآن لأن من شأن ذلك مضاعفة المخاطر التي تواجه شعبنا وقضيته وحقوقه الوطنية الثابتة في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعندها لا ينفع الندم في شي