كيف استطاع رجب طيب أردوغان ان يوجّه الاتّهام الى أنغيلا ميركل بأنها تقوم بممارسات النازيين، ميركل المرأة الديموقراطية المتواضعة، والتي شكّلت في الأمس القريب عنواناً في حسّها الانساني وتعاطفها النبيل مع اللاجئين الذي كانوا يتدفّقون الى المانيا عبر تركيا نازية يا أردوغان؟!
يا للسخرية، ولكن لماذا، هل لأن بعض البلديات في المانيا منع مسيرات لأنصار أردوغان لدعم الاستفتاء على توسيع صلاحياته المطلقة تقريباً، وهو ما دفعه الى ان يستشيط غضباً: "تعطوننا دروساً في الديموقراطية... ان ممارساتكم لا تختلف عن تلك التي ارتكبها النازيون، لقد اعتقدنا ان ألمانيا تخلّت عن الممارسات النازية ولكن كنا على خطأ"!
المسألة لا تتوقف على منع ثلاث مسيرات، ولكن من الواضح ان أردوغان يحاول إثارة غبار التعمية في سياق التوتر المتنامي للعلاقات بين البلدين منذ الانقلاب الفاشل في تركيا في 15 تموز الماضي، والذي تفاقم قبل أسبوعين بعد اعتقال أنقرة مراسل صحيفة "دي فيلت" دنيز يوجل الذي يحمل الجنسيتين التركية والألمانية بتهمة الدعاية الارهابية، وقد وصفه أردوغان بأنه عميل ألماني وممثل لحزب العمال الكردستاني!
أنقرة لم تتردد في اتهام المراسل بأنه إرهابي، لأنه نشر تقريراً عن عملية قرصنة إلكترونية على البريد الالكتروني بيرات البيرق وزير الطاقة وصهر أردوغان، وهو ما دفع الأوساط السياسية في برلين الى القول إن العلاقات بين البلدين تواجه أكبر التحديات في تاريخها الحديث، وجاء هذا رداً على قول أردوغان إنه يجب محاكمة السلطات الألمانية لأنها تساعد الارهابيين وتؤويهم في إشارة الى نشاط الجالية الكردية في ألمانيا!
في أي حال، تزداد الهوة عمقاً بين أنقرة والأسرة الأوروبية، كلما ازدادت الخلافات بين تركيا وألمانيا الحليفين الأطلسيين على ما يفترض، لكن الأمور ليست سالكة على هذا الخط على رغم اتفاق وقف تدفق اللاجئين، الذي وقع في ١٨ آذار من العام الماضي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بعدما تفاوضت عليه انقرة وبرلين، والدليل ان أردوغان يستعمل مسألة اللجوء كعصا في وجوه الأوروبيين، فعندما تبنى البرلمان الأوروبي قراراً غير ملزم بتجميد موقت لمفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد، هدد بفتح حدوده لإغراق أوروبا باللاجئين.
إتهامات أردوغان أثارت جواً متصاعداً من الغيظ والسخرية في الأوساط السياسية الألمانية، التي تعرف جيداً كما يعرف العالم، ان ليس من المنطق السليم ان تُتهم ميركل بالنازية عندما يكون أردوغان قد شنّ حملة دهم كبرى أسفرت كما تؤكد "CNN"، عن اعتقال خمسين ألف شخص من مختلف الجهات والمؤسسات الرسمية في الدولة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، التي استغلّها لتطهير البلاد من خصومه السياسيين، وفق أسلوب قمعي لا يسمح له بتوجيه الاتهامات الى ميركل بالنازية!
عن النهار اللبنانية