حارتنا وعائلتنا أكبر من الوطن

حارتنا وعائلتنا أكبر من الوطن
حجم الخط

باتت الغالبية العظمى من الناس تعتقد أن «حارتهم»، «حيّهم»، «شارعهم»، أهم بكثير من الكل الجغرافي الفلسطيني، والمسطرة التي يقاس بها: ماذا فعلوا لنا؟
وتترسخ هذه القناعات لدى البعض في غياب الشعور الجمعي وقيم الانتماء وتقديم الخاص على العام، إذ تجد غالباً أن سقف هؤلاء بدا يهبط كثيراً لينحصر في زاوية من زوايا الوطن وليس الوطن ككل.
وعلى هامش هذا الواقع، تتسع حلقة اللاعبين على الوتر، حيث تنحصر قدرة الساعين لتغيير هذه النظرة وتعميم الوعي الجماعي وتقديم العام على الخاص؛ لأنهم لم يعودوا ذوي قدرة على التأثير الإيجابي أمام أمواج التأثير السلبي الذي بات يلعب على هذا الوتر: تارة ليعزز مواقعه الشخصية مستفيداً من حالة التذمر الوهمي بأن هذه الحارة وذاك التجمع السكاني لم يأخذ حقه، وتارة يتم استغلاله لضرب وحدة المجتمع والتلويح به كعنصر قوة في جيب هذا أو ذاك دون علم من أولئك الجالسين في ضيق التفكير بأهمية الحارة والحي وديوان العائلة.
صديقي في إحدى الجمعيات المهمة حدثني عن اجتماع للهيئة العامة للتباحث في قضايا الجمعية وإمكانية سحب الثقة من الهيئة الإدارية وإجراء انتخابات مبكرة، ورغم وعيه ودرايته وتجربته إلا أنه ختم قوله: الأهم كسبنا ثقة أهل المدينة الأصليين. ضربت أخماساً بأسداس وقلت: يا ويلنا! إلى أين نحن ذاهبون في هذا النفق المظلم؟
آخر قال لي: لا يوجد اهتمام بمدينتنا وأولادنا يقدمون المدن الأخرى على مدينتنا. انظر ماذا فعل فلان لأهل محافظته. وجاء الجواب سريعاً وواضحاً من شخصية ذات قيمة: ليس هكذا تقاس الأمور يا أستاذ. هناك مساحات أوسع للتفكير والبحث. حبيبنا لا زلنا نقول: معسكر «شافي شمرون» ولا نقول: معسكر دير شرف، ونقول: «محسوم» ولا نقول حاجز احتلالي، وبتنا نقف جميعاً مرحبين بالمرتشي ونحن نعلم علم اليقين أنه كذلك، ولكنه ابن حارتنا وابن مدينتنا ونقول عندما يحاسبوا ابن المدينة الثانية نحاسب ابننا. هنا مكمن الخطورة يا صديقي وليس: ماذا حققت مدينتنا؟
نتجرأ جهاراً نهاراً أن نقول عن ابننا: إنهم اختاروا الرجل المناسب في الموقع المناسب ونحن نعلم علم اليقين أنه ليس مناسباً للموقع ولن يحسن صنعاً، ونبرر بأن ابن العشيرة الفلانية عندما تبوأ منصباً أقاموا له الدنيا ولم يقعدوها ونحن نعلم أنه لا أهل ولا كفاءة، فأظن أن ابننا أحق بالمديح والإطراء.
يسجل نصف المجتمع استغرابه أمام جواب شخص عن سؤال «هل توظف ابنك؟» بلا. «هل يعقل كل علاقاتك ومعارفك لم تستطع «تزبيطه» أم أنك تريد أن تسوق التعفف في زمن بات لا موقع له ولا يصرف». إذاً اعتماد معايير النزاهة في التوظيف والتشدد بها أمر غير مقبول، والمقبول هو التدخل والضغط والتأثير على نتيجة التوظيف مسبقاً.
جل شكوى الناس في القضايا المتنوعة هدفه ليس تسجيل نموذج ليكون الآخرين في أمان من ممارسة خطأ، بل الهدف هو قيام الجهة الموجهة الشكوى لها بالتوسط والعمل على حل المشكلة حتى لو على حساب التعليمات لصالح الشخص ومن ثم إغلاق الباب بعدها واتباع التعليمات مع الآخرين وليس معي.
حال البلد ليست بخير، المطلوب تعزيز منظومة القيم، تعزيز الثقافة الوطنية على حساب ثقافة الانتماء للحارة والعائلة والعشيرة. تعزيز قيم النزاهة في التوظيف وانتظار الدور في المعاملات، وتقديم العام على الخاص.
باختصار إما أن يكون الوطن والمواطن بخير، وبالتالي سيكون أبناؤنا وأحياؤنا وحاراتنا وعائلاتنا بخير، وإن لم يكن بخير لن نكون نحن كمواطنين بخير، وانسوا الضحك على النفس.