أدخل افيغدور ليبرمان، الاثنين الماضي، المنظومة السياسية في دوران فريد. فجأة كل شيء بدا مفتوحا. فجأة كل شيء بدا ممكنا. تحول بنيامين نتنياهو خلال دقائق معدودة من قيصر يمكنه القيام بكل شيء الى بطة عرجاء. غمرت موجة من الفرح العارم المنظومة السياسية ولم تستثنِ إلا نتنياهو وزوجته. كان الجميع مسرورا. نعم، ايضا العديد في «الليكود». وبدأ مرشحون من قبل أنفسهم لخلافة نتنياهو في حياكة السيناريوهات وفي رفع الهواتف. لم يبدُ أي شيء خيالياً نظرا لأن ليبرمان يمقت نتنياهو، ودرعي لا يطيقه، وكحلون لا يثق به، ولم نتحدث بعد عن الاهانات والعناء التي عانى منها نفتالي بينيت (حتى الاثنين الماضي)، ولم يتم رفض أي احتمال تماما.
هاكم مثالا: تحدث اسحق هرتسوغ، أول من أمس، مع رجل بينيت القوي، شالوم شلومو، حول: لماذا لا نتعاون، وربما نعقد تحالفا سياسيا؟ نعم، ما سمعتموه هو الحقيقة. هرتسوغ لم ينفِ هذا النبأ، أول من أمس، ولكنه طلب وضعه في السياق: أتحدث مع الجميع كل يوم، اعترف هرتسوغ. نعم، ايضا مع بينيت ومع شالوم شلومو.
أفكار في الـ «واتس آب»
حركة العمل والصهيونية الدينية هما حركتان تاريخيتان عرفتا كيف تعملان معاً سنوات طويلة. لا أرفض أي شيء رفضا قاطعا.
وكذلك في مجموعة «واتس آب» لرؤساء السلطات المحلية من حزب العمل طرحت، أول من أمس، صباحا هذه الفكرة من قبل أحد المشاركين (اسمه محفوظ في هيئة التحرير حفاظا على سلامته الشخصية). « يجب عدم الخوف من التعاون مع بينيت»، كتب ذلك الشخص. «اربعين سنة كان العمل ممتازا». اذاً، ماذا قصد هرتسوغ؟ كان يقصد محاولة اقامة «حكومة اجتماعية» بحيث يتم دفع الموضوع السياسي عمدا الى الزاوية لصالح اصلاحات اجتماعية وغيرها. إن احتمالات نجاح خطوة كهذه تقارب الصفر. ولكن الآن علينا التخلص من بيبي، إذاً ما السيئ في الامر؟.
نعم في وضع كهذا حتى هرتسوغ عرض على بينيت حلفا سياسيا، الامر الذي يبين أن كل الخيارات كانت موضوعة على الطاولة. في وقت كتابة هذه الكلمات يجلس شالوم شلومو مع المحامي ديفيد شومرون، المندوب المتعرق لنتنياهو. يطلب شلومو حقيبة العدل لاييلت شكيد. لو طُرح طلب كهذا قبل يوم ونصف، لكان شومرون انفجر ضحكاً. أول من أمس مساء، الامر الوحيد الذي كان شومرون يستطيع عمله هو أن ينفجر ويأمل ألا يكون الطلب القادم تعيين شالوم شلومو نفسه في منصب المستشار القانوني للحكومة القادمة.
اقتنع بنيامين نتنياهو في اليوم التالي للانتخابات بأن اقامة حكومته الرابعة ستكون عملية سهلة مثل «سكين في الزبدة». الآن السكين مغروسة في ظهره والزبدة مسكوبة على جبهته، أمام الشمس المتقدة. كل هذا يمكن أن يسجله ليبرمان لصالحه، ما يعني أن أول من أمس كان يوما غير سيئ له.
هذه قصة عن الزعامة. نتنياهو جنرال بدون جنود، ولنكن منطقيين يجب علينا أن نذكر أنه كان له ناخبون. لقد جلب 30 مقعدا، استخدم وسائل مرفوضة ومكيافيلية، لكن هذه لا يتم احتسابها في صناديق الانتخابات أما المقاعد فنعم. مشكلة بيبي هي أنه في المنظومة السياسية فانه مكروه الى درجة رهيبة، والجميع، ما عداه، يتمنون اختفاءه. هذه بداية اشكالية لمن ينوي اقامة حكومة 61 نائبا. زرع نتنياهو المطر ويحصد العاصفة. السرعة الكبيرة جدا التي تميزه مدعومة بـ 30 مقعدا مفاجئاً، أدت به الى اهانة الجميع، وأن يأخذ وقته في أن يبدأ في تصديق أن ما يسمعه من زوجته وما تسمعه منه في المقابل هو أمور الهية. وبهذا قال له افيغدور ليبرمان: الى هنا، يكفي.
لقاءات عصيبة
تساءل بعضهم، أول من أمس، كيف يمكن أن يحدث أن نفتالي بينيت تحول بين عشية وضحاها إلى شخص يحدد المصير السياسي لبنيامين نتنياهو. فقبل أن يستقيل ليبرمان لم يكن لنتنياهو حكومة بدون بينيت. إذاً، ماذا تغير في الحقيقة هنا؟ ومع ذلك تغير هنا أمر بسيط: افيغدور ليبرمان مهد الطريق. بينيت لم يكن بامكانه أن يكون الاول الذي يرجم نتنياهو بالحجارة. هو ليس ناضجا حتى الآن بما يكفي لخطوة كهذه. لديه ناخبون، لديه جمهور، لديه ايديولوجيا ومسؤولية. ولكن في اللحظة التي غرس سكينه ليبرمان، الذي لا يوجد أحد يعرف نتنياهو اكثر منه في نصف الكرة الشرق اوسطية ، فقد استبيح بذلك الدم السياسي لنتنياهو. ليس على بينيت القفز اولا الى الماء أو أن يقيم رأس جسر. ولكن فقط أن يسير مع ليبرمان.
أجريت، أول من أمس، لقاءات عصيبة ومكثفة بين الجميع مع الجميع، بهدف ايجاد وسيلة تُمكن نتنياهو من النزول عن المنصة، ليتولى المعسكر الصهيوني تشكيل الحكومة. خطوة كهذه ستمكن بينيت من النظر في عيون ناخبيه والإعلان عن الفوز. بالمناسبة، لا يدور الحديث عن عملية معقدة. يجب انتخاب مرشح بديل من «الليكود»، تجنيد موافقة بينيت ودرعي وليبرمان وعدم الانضمام الى ائتلاف نتنياهو. وكل ما تبقى سيحدث وحده. هل سيكون لنفتالي بينيت القوة للمضي في هذا الطريق؟ لدي شك كبير في ذلك. نعم هذه حالة مجنونة، حيث يحتفظ فيها بينيت حتى منتصف هذه الليلة بالحياة السياسية لنتنياهو في جيبه. من الجانب الآخر، في مكان ما عميقا في الداخل، يشجع بينيت نتنياهو. هل يمكن أن يتحول الى بروتوس؟ كما يبدو لا. وإن كان كما خبرنا في هذا المكان المجنون كل شيء ممكن.
اذا ظننتم أن موشيه كحلون لم يكن يعرف عن هذه الاتصالات، فأنتم مخطئون. يوم طويل ومرهق ومليء بالمشكلات المستعصية مر، أول من أمس، على كحلون. فهو يعرف أن حكومة الـ 61 لبيبي ستكون اكثر من أي شيء آخر، حكومة دفنه. كل العالم، مستشاره ونائبه، تحدثوا معه، أول من أمس، وضغطوا عليه من اجل قطع الخيوط وتخريب العرس على نتنياهو. كحلون تألم. من بين المحيطين به هناك عدد لا بأس به من الاشخاص المقتنعين بأن الحكومة المتبلورة ستكون شركا مميتا لموشيه كحلون. ومع ذلك فقد تعهد لبيبي. لقد أعطى كلمة ووقع. ماذا سيفعل الآن؟ المعضلة ذاتها، وإن كانت أقل اشتعالا، كانت ايضا لاريه درعي. كل واحد من هذين السيدين كان مستعدا ليفعل كل شيء من اجل أن يقوم شخص آخر، وليس هو بغرس المسمار الاخير في نعش نتنياهو. ضغط درعي على كحلون، الذي ضغط على درعي. وكلاهما تحدثا مع بينيت، وكلهم ضغطوا على كلهم، ومن ضغط اكثر من الجميع هو نتنياهو. السطر الاخير: معظم الاحتمالات أنه سيقوم بابلاغ رئيس الدولة أن لديه حكومة. هذه الحكومة كان يتمناها لأعدائه.