الأمر أشبه بذهابنا إلى عرض فيلم، حيث تمهّد دار السينما إلى عروض أفلامها المقبلة: قريباً، قريباً جداً. سواء كانت دعوة الرئيس ترامب للرئيس عباس ستتم «قريباً» أو «قريباً جداً»، فإن المكالمة الهاتفية الأولى بين الرئيسين استمرت نصف ساعة. وكعادة ترامب نشر الدعوة القريبة على حسابه في «تويتر»، ولفتني أن الرئيس ترامب استخدم كلمة رئيس presidant في مخاطبة الرئيس عباس.
سأرى كيف يتم الاتفاق بين الرئاستين على بروتوكول الدعوة الرئاسية. هل سيجلس الرئيسان أمام الموقدة في الغرفة البيضاوية للبيت الأبيض في حديث قصير ومصوّر؟ هل سيلي ذلك اجتماع مغلق بينهما؟ هل سيقف الرئيسان بعد الاجتماع المغلق أمام منصتين صحافيتين، وخلفهما علما البلدين؟
وقائع هذا البروتوكول قد تعطي تفسيراً لقول ترامب، خلال استضافته رئيس حكومة إسرائيل قبل زهاء الشهر: دولتان أو دولة واحدة، سيسعدني أن تتفقا على أيهما الحل.
كانت رئيسة وزراء بريطانيا، تريزا ماي، أول من أدى زيارة رسمية للرئيس الجديد للبيت الأبيض، بحكم العلاقة الخاصة والتاريخية بين الدولتين.
قبل يومين، أدى وزير خارجية بريطانيا، بوريس جونسون، زيارة لإسرائيل وفلسطين استمرت 24 ساعة، وخلالها أكد جونسون، أمام نتنياهو ثم عباس، أن لندن لا ترى حلاً سوى «الحل بدولتين» الذي صوتت لصالحه في القرار 2334، وهو ما تجنّب نتنياهو قوله أمام ترامب، في المؤتمر الصحافي المشترك، وإن كان تحدث من قبل ومن بعد زيارته لواشنطن، عن كيان فلسطيني سيكون أقل من دولة سيادية.
هذا الاسبوع، سيزور المبعوث الأميركي الرئاسي إسرائيل وفلسطين، وسيبحث جيمس غرينبلوت على الأرجح ترتيب زيارة الرئيس الفلسطيني للبيت الأبيض، وربما زيارة الرئيس ترامب للبلدين في وقت لاحق أو سابق!
في يوم دعوة ترامب لعباس، وافقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، على تعيين ديفيد فريدمان، سفيراً في إسرائيل، المعروف عنه انحيازه لإسرائيل ومشاريعها الاستيطانية، ومعارضته لموضوعة «الحل بدولتين». الرئيس هو من يرسم والسفير هو من ينفذ!
كان الرئيس ترامب، في المؤتمر الصحافي المشترك مع نتنياهو قد نصحه بـ»إبطاء» الاستيطان، وفسّر وزير الحربية الإسرائيلي خلال زيارته أميركا أفيغدور ليبرمان الأمر بتنسيق هذا الإبطاء بالتوافق مع أميركا، وتشكيل لجنة مشتركة بهذا الخصوص، بينما طلب نتنياهو من الكنيست تأجيل نقاش طلبه رئيس «البيت اليهودي» نفتالي بينيت لضم «معاليه أدوميم» كخطوة أولى.
يتردد أن إدارة ترامب ستوضح، خلال الشهرين المقبلين، مفهومها لما يكرره الرئيس ترامب من «صفقة» تسوية سلمية تاريخية، تقود إلى سلام حقيقي إسرائيلي ـ فلسطيني.
كان ترامب، خلال حملته الانتخابية، قد تعهد بتنفيذ قرار سابق للكونغرس بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهو التعهد الذي أجل ترامب تنفيذه إلى وقت لاحق، كجزء من «الصفقة» الكبيرة، بينما هناك ترجيحات إسرائيلية وأميركية أن يتم ذلك في هذه السنة، وربما خلال زيارة ترامب لإسرائيل إبّان احتفالاتها بمرور نصف قرن على احتلال القدس وضمها باعتبارها عاصمة إسرائيل.
الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية العرب، قبل أيام، حذّر من مغبة خطوة كهذه، ويتوقع ان تتخذ القمة العربية المزمعة في عمان، آخر هذا الشهر قراراً بهذا المعنى.
مع أن ترامب، ومن قبله إدارة الرئيس أوباما أكدتا على دور المفاوضات المباشرة الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وكذا فعل المؤتمر الدولي في باريس، لكن هذا مرفوق بمواكبة دولية، وقبول صريح إسرائيلي بـ «الحل بدولتين»، وهو ما أكد عليه الرئيس الفلسطيني في الاتصال الهاتفي مع الرئيس الأميركي.
«الصفقة الجيدة» يجب أن تكون مُرضية للطرفين، وهي تتطلب «تنازلات مؤلمة» من الجانبين، كما تقول الإدارة الأميركية الجديدة الأكثر قرباً من إسرائيل حسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية.
اشار القرار الأخير لمجلس الأمن 2334 إلى مبادرة السلام العربية لعام 2003، ويقال إن الرئيس ترامب سوف يستند إليها، بينما يريد نتنياهو أن لا تبدأ من «الألف» إلى «الياء» بل على العكس.
الشيء الجوهري في الدعوة الرئاسية الأميركية لرئيس السلطة الفلسطينية أن الادعاء لدى بعض حلفاء الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل يتجاهل السلطة لصالح حل إقليمي أوسع ولم تعد ذات صلة، وأن واشنطن تسلم من جديد، في حقبة ترامب، بمركزية الحل الفلسطيني ـ الإسرائيلي، في المنطقة، أي أن التسوية الإقليمية لا تبدأ بإيران، أو التحالف الإسرائيلي مع دول الاعتدال السنّي ضد الإرهاب.
منذ ربع قرن، بعد رعاية أميركا لاتفاقية أوسلو، بدأ فيلم أميركي طويل لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ويبدو أننا مقبلون، هذا العام بالذات الذي يصادف مرور نصف قرن على الاحتلال، على فيلم «أكشن» أميركي قصير، حول إخراج جديد لفيلم «الحل بدولتين» الأميركي الذي بدأ في العام 2003.
لا يمكن للفلسطينيين والعرب قبول نقل السفارة الأميركية إلى القدس، حتى إلى شطرها الغربي، دون خطوة مقابلة بالاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وأي «صفقة جيدة» كما يتحدث ترامب كحل للصراع قد تشمل الاعتراف الاميركي بيهودية دولة إسرائيل، وأيضاً الاعتراف الأميركي بدولة فلسطين.
لم تكن «صفقة» كامب ديفيد 2000 جيدة للفلسطينيين، فقالوا: «لا» ودفعوا الثمن لأنها لم تتحدث عن «حل الدولتين»، ولم تكن صفقة أنابوليس جيدة للإسرائيليين، ويبدو أن «صفقة» ترامب ستكون «فركة أذن» لإسرائيل ولكمة مؤلمة لفلسطين!
على نتنياهو أن يعيد تشكيل ائتلافه الحكومي أو يرحل؛ وعلى السلطة الفلسطينية أن تجد حلاً لمشكلة الانقسام الغزي لتمرّ الصفقة أو تتعثّر!