ختم تقرير مراقب الدولة حول حملة "الجرف الصامد"، والذي نشر مؤخراً، سلسلة طويلة من القصورات الاستراتيجية، الأخطاء، والتقديرات الفاشلة للقيادة السياسية والعسكرية.
وحتى في النظرة التاريخية، يتبين أن سلوك دولة إسرائيل تجاه قطاع غزة، منذ فك الارتباط في صيف 2005، ترافق وأخطاء تكتيكية عززت حكم "حماس" في قطاع غزة.
فقد جعل فك الارتباط "حماس" المنتصر الأكبر مع الإنجاز البطولي الذي سجل في صفحات التاريخ الفلسطيني، بصفتها القوة العسكرية الوحيدة التي نجحت في دفع الجيش الإسرائيلي للانسحاب إلى حدود 5 حزيران 1967، وإخلاء المستوطنات اليهودية دون تنازلات، اتفاقات، والتزامات.
كما قربت هذه الخطوة "حماس" من بلدات غلاف غزة، وجعلت كتائب عز الدين القسام، ذراعها العسكرية، جيشا حقيقيا، مزوداً بالصواريخ مع قدرات لضرب مركز الدولة بوسائل قتالية كثيرة، ومع قدرات على التسلل إلى النقب الشمالي من خلال شبكة أنفاق لا تزال تعتبر تهديدا على شمال النقب.
كما يذكر، بعد بضعة أيام من "فك الارتباط" تبين أن الجيش الاسرائيلي سيضطر إلى خوض حرب يومية تجاه قطاع غزة.
ومنذ أيلول 2005 وقعت حملة "مطر أول" في أعقاب سلسلة إطلاق للصواريخ نحو سديروت، لم يترك مفراً غير الرد بسلاح الجو.
في حزيران 2006، في أعقاب اختطاف جلعاد شاليط واطلاق الصواريخ نحو غلاف غزة، انطلق الجيش الاسرائيلي في حملة اخرى، "أمطار الصيف".
وفي شباط 2008 اضطر الجيش الاسرائيلي إلى العمل مرة اخرى في حملة "شتاء حار".
وبعد نحو عشرة أشهر، في كانون الأول 2008، بدأ مرة اخرى تنقيط لا ينقطع من اطلاق الصواريخ نحو بلدات غلاف غزة، وانطلق الجيش الاسرائيلي إلى حملة "الرصاص المصبوب".
وبعد هدوء قصير عادت الطقوس لتكرر نفسها: نار الصواريخ نحو بلدات الغلاف، رد الجيش الاسرائيلي من الجو وهكذا ولدت حملة "الجرف الصامد".
ما برز للعيان في كل الحملات والعمليات ضد "الارهاب" الحمساوي في العقد الاخير كان العدمية والسلوك وفق الاستراتيجية ذاتها، في محاور الحركة ذاتها والانماط القتالية ذاتها، دون تطور ودون اقلاع.
وماذا حصل لجملة "بالأحابيل تصنع حرباً"؟. في كل الحملات التي ذكرت هنا هاجم الجيش الاسرائيلي بشكل نموذجي من الشرق ومن الجنوب القطاع، لقي "حماس" جاهزة نحوه مع سلسلة من الكمائن، الافخاخ، والانفاق التفجيرية. أين العقل اليهودي؟ كيف لم نعمل من الغرب من خلال انزال القوات من جهة البحر؟ أين حكمة الحرب والقدرات لمفاجئة العدو؟ ذرة من هذا لم تظهر في كل هذه الحملات.
الوضع الحالي في قطاع غزة لا يمكن أن يستمر. كل يوم يمر في هذا الواقع الصعب يفاقم الوضع فقط. وليست هذه سوى مسألة وقت إلى أن ينفجر البركان الغزي، والحمم التي ستخرج منه ستوجعنا بشدة.
إن الحل لمشكلة غزة هو القضاء على "حماس" والمنظمات العاقة التي نشأت هناك، مؤخراً، بمعنى حملة عسكرية كبيرة وذكية مخططة جيداً، مع أهداف ومرامٍ محددة مسبقا؛ أو حل في تسوية حقيقية بمشاركة ومساعدة الجامعة العربية، السعودية، ودول الخليج، وبالأساس المساعدة الدولية من الولايات المتحدة واوروبا. وهذا حل يتضمن ميناء، مطارا وأُفقا اقتصاديا يجبر "حماس" على وضع سلاحها.
غزة أولا، هذه يجب أن تكون مهمة القيادة السياسية والعسكرية هذه الايام، منعاً لـ "صيف حار" آخر مع صافرات انذار، مواطنين في الملاجئ، صواريخ تضرب الدولة، وحملة فاشلة اخرى تفاقم فقط الوضع والمتلازمة التي لا تنتهي لغزة.