تعمل اسرائيل دائماً من أجل ان تبقى القوة الأولى في منطقة الشرق الأوسط عبر عدة وسائل وطرق من بينها الحصول على اسلحة متطورة وانفاق جزء كبير من ميزانياتها السنوية على التسلح لدرجة اصبحت معها تحتوي على أكبر ترسانة عسكرية متطورة في المنطقة تدعمها في ذلك الدول الغربية مجتمعة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية التي تربطها بها اتفاقية تحالف استراتيجي.
ولكن من أبرز الوسائل والطرق التي تستخدمها دولة الاحتلال الاسرائيلي لإبقاء تفوق قوتها العسكرية وتطويرها، هي شن الحروب العدوانية الاستباقية كلما رأت بأن احدى دول المنطقة في طريقها لتصبح قوة عسكرية قد تضاهيها في المستقبل وربما تنتصر عليها.
وفي معظم الاحيان ان لم نقل في كل الاحيان لا تعجز دولة الاحتلال عن ايجاد المبررات والذرائع لشن هذه الحروب العدوانية اما للردع او لما تزعم انه للدفاع عن النفس تدعمها في ذلك دول الغرب الكبرى قاطبة، بهدف ابقائها القوة الأولى والكبرى عسكرياً في المنطقة ليسهل على هذه الدول وطبعاً دولة الاحتلال مواصلة استغلال ثروات المنطقة خاصة الثروة النفطية التي تسير عجلة الاقتصاد في هذه الدول والذي لا غنى عنها سابقاً وحالياً.
كما ان دولة الاحتلال تشن هذه الحروب العدوانية لحل ازماتها الداخلية تحت ستار العدو الخارجي وضرورة التوحد في مواجهته، وتقوم في اغلب الأحيان بتشكيل ما يسمى بحكومات الوحدة الوطنية لشن هذه الحروب العدوانية.
واليوم فإن هناك داخل اسرائيل أزمة تتمثل اولاً بقضايا الفساد المتهم بها رئيس وزراء الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً وعنصرية في تاريخ الحكومات الاسرائيلية منذ اقامة دولة الاحتلال على انقاض شعبنا قبل حوالي ٧٠ عاماً، وهو ما دعا احزاب المعارضة داخل اسرائيل الى المطالبة باستقالة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على هذه الخلفية وهو ما يعني في حالة حدوث ذلك اجراء انتخابات جديدة وحل الكنيست الاسرائيلي.
ومن هنا نرى قيام مختلف الاحزاب داخل اسرائيل بالاستعداد لمثل هذا الاحتمال من خلال الاعلان عن مواعيد اجراء انتخاباتها الداخلية وتمديد العضوية واجراء استطلاعات للرأي لمعرفة حجمها والأصوات التي ستحصل عليها خلال الانتخابات التي تعتقد بانها اصبحت قريبة وأن حكومة نتنياهو لن تستكمل مدتها المقررة بأربع سنوات.
كما ان تقرير مراقب الدولة الاسرائيلي بشأن قصور القيادتين السياسية والعسكرية ابان العدوان الأخير على قطاع غزة عام ٢٠١٤م وتحميل نتنياهو شخصياً هذا القصور هو ووزير الدفاع ورئيس الاركان وجهازي الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية، خاصة فيما يتعلق بمعالجة الانفاق التي ابتكرها رجال المقاومة في قطاع غزة والتي اعتبرتها دولة الاحتلال تمثل تهديداً استراتيجياً الى جانب اتهام التقرير القيادتين السياسية والعسكرية بعدم اعداد قوات الجيش جيداً لهذه الحرب وعدم وضع بنك اهداف لهذه الحرب وعدم دراسة امكانية ايجاد حل سياسي بدلاً من الذهاب للحرب.. الخ.
هذا على الصعيد الداخلي الاسرائيلي، أما على العصيد الخارجي فإن دولة الاحتلال تواجه اولاً تعاظم قوة حزب الله، لدرجة ان المعلومات الاستخبارية المتوفرة لدى الاجهزة الأمنية والعسكرية الاسرائيلية تشير ليس فقط الى تعاظم قوة هذا الحزب المناهض لاسرائيل، بل ايضاً الى امتلاكه اسلحة متطورة وصلت اليه عن طريق سوريا من ايران، وان باستطاعة الصواريخ التي يملكها والمتطورة الوصول الى العمق الاسرائيلي مما يهدد الجبهة الداخلية الاسرائيلية، عدا عن الخبرة التي اكتسبتها قوات هذا الحزب من خلال مشاركتها في الحرب الداخلية السورية وفي مواجهة تنظيم داعش وسواه من القوى الأخرى المناهضة لنظام الحكم في سوريا والتي لبعضها اجندات خارجية بما فيها اقامة علاقات واتصالات مع الاحتلال الاسرائيلي.
كما ان حزب الله وفقاً للتقارير الاسرائيلية قد ضاعف من عديد قواته العسكرية، الى جانب وقوف قوات الجيش اللبناني الى جانبه واعلان الرئيس اللبناني الجديد بان الجيش سيواجه مع حزب الله وقوات المقاومة اللبنانية الأخرى أي حرب عدوانية اسرائيلية على لبنان تحت اي مبررات او مزاعم اسرائيلية.
وتخشى اسرائيل ايضاً من التوصل الى اتفاق بشأن الأوضاع في سوريا وانهاء الحرب الداخلية فيها مع بقاء القوات الايرانية في هذا البلد والتي تحارب الى جانب قوات النظام ضد داعش واخوانه وهو ما تحسب اسرائيل حسابه من أن ايران سيكون بها موطىء قدم في سوريا لذا شاهدنا كيف ذهب نتنياهو قبل ايام الى موسكو لابلاغ الروس بأن اسرائيل تعارض اي تواجد ايراني على الحدود مع سوريا وأن على القوات الايرانية العودة لايران بعد انتهاء الحرب في سوريا.
هذا من جانب ومن الجانب الآخر فإن التقارير الاسرائيلية تشير ايضاً الى تعاظم قوة المقاومة المسلحة في قطاع غزة وامتلاكها المزيد من الاسلحة والصواريخ التي سيبلغ مداها ايضاً ضعف الصواريخ التي سقطت على اسرائيل في الحرب العدوانية الأخيرة، رغم ان هذه الصواريخ هي من صنع محلي، كما تتحدث التقارير الاسرائيلية عن التقارب الأخير بين حماس والجهاد الاسلامي وايران وان هناك اسلحة ايرانية وصلت الى القطاع وبإمكانها الوصول الى العمق الاسرائيلي، وتتحدث الاوساط الاسرائيلية عن كيفية حماية الاسرائيليين المتواجدين او الذين يقطنون في غلاف غزة في حال اندلاع حرب جديدة مع القطاع.
وتخشى دولة الاحتلال الاسرائيلي من التمدد الايراني ليشمل العراق وسوريا ولبنان الى جانب دعم المقاومة في قطاع غزة الأمر الذي سيحيط اسرائيل مجدداً بدول مناهضة لها تمتلك من القوة ما يوقع خسائر في الجانب الاسرائيلي في حالة حدوث اي حرب جديدة.
ومن هنا فإن اسرائيل التي تخشى اية هزيمة لقواتها، وكما ذكرنا سابقاً فإنها لن تعجز عن ايجاد المبررات والحجج من أجل القيام بحرب او حتى حروب ضد الدول المناهضة والمتحالفة مع ايران بما في ذلك قطاع غزة.
وفي اعتقادنا بان دولة الاحتلال ستشن في القريب العاجل حرباً على لبنان لتحقيق عدة اهداف من وجهة نظرها وهي اولاً وقف تعاظم قوة حزب الله، واعادة الاعتبار لقوة الردع الاسرائيلية التي تضررت خلال الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، وللخروج من ازمتها الداخلية.
وفي هذا الاطار فإن نتنياهو لن يتوانى عن شن هذه الحرب ايضاً في اطار محاولاته البقاء في منصبه كرئيس للوزراء سواء جرت انتخابات جديدة ام لم تجر.
اما في قطاع غزة فان دولة الاحتلال ستقوم بتوجيه ضربات عسكرية تستهدف قوات المقاومة، دون اعادة احتلال القطاع لانها لا تريد التورط من جديد في القطاع حيث ستواجه يوميا مقاومة ضد قواتها المحتلة.
كما ان اسرائيل لا ترغب في انهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي الأسود، بل تعمل على تعميقه بكل السبل والوسائل في اطار محاولاتها مواصلة احتلالها للضفة الغربية وقضم اراضيها شيئاً فشيئاً واستغلال ثرواتها فوق الأرض وفي باطنها، وتدفع باتجاه أن يكون القطاع هو الدولة الفلسطينية.
وهناك ايضا مبرر واه آخر لشن الحرب وهو هروب دولة الاحتلال من أية ضغوط دولية لتحقيق السلام مع الجانب الفلسطيني، فهي ترى في الوضع الحالي انه الأمثل بالنسبة لها وان قيامها بالحرب سيؤدي الى غض النظر عن أية تسوية سلمية وسينشغل العالم بالحرب وبنتائجها.
واذا ما اخذنا بعين الاعتبار تصريحات العديد من المسؤولين الاسرائيليين من أن الحرب الاسرائيلية ضد حزب الله وقطاع غزة هي قاب قوسين او ادنى وأنها ستكون اما في الربيع او فصل الصيف، فان جميع الأوضاع السابقة سواء الداخلية الاسرائيلية أو الخارجية تهيىء لقيام اسرائيل بشن حرب جديدة، وستكون هذه الحرب الجديدة بالاضافة الى الخسائر التي ستلحق بالجانب الاسرائيلي ستكون كبيرة وليست كسابقاتها، كما أن نتائجها قد تحدث تغييرات جذرية في المنطقة، الأمر الذي يتطلب من الجانب الفلسطيني اخذ الحيطة والحذر لأن المستهدف ايضا هو القضية الفلسطينية وافشال أية عملية سلمية جديدة.