بات من الواضح أن هناك سياسة مصرية جديدة إزاء قطاع غزة، تمثلت باتخاذ خطوات واضحة وعملية بانتظام متقارب لفتح معبر رفح افضل بما لا يقاس عن السابق، بالتوازي مع تزايد تصدير السلع على اختلافها الى القطاع، خاصة تلك المتعلقة بالبنية التحتية، إضافة الى السيارات والسلع الاستهلاكية، وإعلان مصري عبر وسائل الإعلام المصرية والفلسطينية عن تجديد معبر رفح بحيث يصبح اكثر حداثة وليتمكن من تمرير المسافرين والبضائع بالاتجاهين.
البعض أعاد هذا التطور الى أن الوضع الاقتصادي المتأزم في مصر، يشكل دافعاً اقتصاديا للانفتاح التجاري مع قطاع غزة ذات الكثافة الاستهلاكية الضخمة، سيشجع على إقامة منطقة تجارية حرة تعود بالنفع على الاقتصاد المصري بالدرجة الأولى، إضافة إلى انه سيخفف من الحصار المفروض على قطاع غزة .. يعيد هذا البعض ولو جزئياً، ما يطلق عليه استدارة مصرية إلى العامل الاقتصادي كتفسير للسياسة المصرية الجديدة تجاه قطاع غزة!
إضافة الى البعد الاقتصادي، يضيف البعض بعداً أمنياً على هذه «الاستدارة» باعتبار ان الجانب المصري، قد توصل إلى قناعة ان قطاع غزة لا يشكل اي خطر امني على القطر المصري، بعد إزالة كافة الشكوك التي كانت تحيط بهذا الأمر وعقدت العلاقة بين الجانبين، أما الآن، فإن ذلك من شأنه ان يمنح تلك العلاقات أبعاداً يجني ثمارها كل من الجانبين، في حين يمنح الجانب المصري الإمساك بالورقة الفلسطينية ولو جزئياً، اثر الخلافات المعلنة بين القاهرة ورام الله.
اعتقد أن كافة هذه العناصر، وفرت أرضية ومرجعية هامة لما يمكن تسميته بالسياسة المصرية الجديدة إزاء قطاع غزة، الا أنني في الواقع خلصت إلى ان هناك سبباً جوهرياً أدى إلى أن تقوم القاهرة بإعادة تقييم سياستها أزاء المسألة الفلسطينية بشكل عام، وعلاقتها مع قطاع غزة والجهة المسيطرة عليه كلياً، حركة حماس على وجه الخصوص، واعتقد ان ذلك يتمثل في أن القاهرة قد توصلت الى قناعة راسخة، ان لا جدوى من انتظار مصالحة فلسطينية، وان الانقسام تحول الى انفصال بشكل نهائي، وهي - القاهرة - صاحبة ملف المبادرات والمصالحات، أدرى بهذا الأمر، وانه لم يعد هناك اي مجال لحراك إضافي حول ملف المصالحة، بعد ما تبين ان ليس هناك ما يتوفر من إرادة سياسية للوصول بالمصالحة الى المحطة النهائية بإعادة الوحدة، وترجمة هذه القناعة، ان حركة حماس ستظل والى وقت طويل، تسيطر وتتحكم في قطاع غزة، والرهان على مصالحة يتبدد، أما الرهان على استقرار حكم حركة حماس، فهو الرهان الواقعي الذي يفرض على القاهرة عدم تجاهله وعلى ضوء الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تجتاح القطر المصري، فإن التعامل مع هذا الواقع يفرض اتخاذ خطوات انفتاحية جديدة من قبل الجانب المصري، وهو الأمر الذي يفرض على حركة حماس، من جهة مقابلة، الترحيب به كل الترحيب، فهي بحاجة الى إقرار حقيقة الأمر الواقع والتعامل معه، وان كان ذلك يتخذ خطوات جزئية، لكنها متقاربة، على أساس ان مثل هذه الخطوات من شأنها بناء ثقة متبادلة بين الجانبين!
وربما ليس صدفة، ان هذه السياسة وترجماتها الجزئية على الأرض، تواترت مع الحديث عن دولة غزة، او ادارة غزة، وسيناريوهات ومشاريع لهذه الدولة - الامارة بعضها يستعيد مشاريع اسرائيلية واخرى تحاول البحث عن اسباب الحراك المتناثر حول امكانية منح قطاع غزة، ميناء بحرياً، عبر جزيرة او ما شابه، في ظل تصريحات من قبل قادة حركة حماس بأن الأمر لن يطول على هذه الحال في القطاع، وان الانفجار قادم .. ولا بد من حل.
في ظل هذه الأجواء، تتناثر الأحاديث حول ادارة جديدة، على شكل حكومة تديرها حركة حماس، بالتوازي مع أحاديث حول ميثاق سياسي جديد للحركة، وهي مؤشرات بالغة الأهمية في إطار الحديث المتواتر حول دولة او إمارة غزة، وبهذا الصدد، لا بد من القول، ان حركة حماس أدارت قطاع غزة منذ الانقسام حتى الآن، وكانت هناك حكومة ظل موجودة وفاعلة تتخذ القرارات، وعندما تحتاج تلجأ الى مجلسها التشريعي للتغطية القانونية لهذه القرارات، وحتى مع تشكيل حكومة التوافق الوطني برئاسة الحمد الله، فإن ذلك لم يؤثر إطلاقاً على عمل حكومة - إدارة غزة التي تديرها بفاعلية حركة حماس، وتم منع حكومة الحمد الله من التدخل في هذه الإدارة الا لجهة استمرار تزويد رام الله، بالاحتياجات الطبية ورواتب الموظفين وميزانيات لبعض الوزارات والمؤسسات.
الإدارة الجديدة في قطاع غزة، محكومة أولاً وأخيراً، بما أفرزته الانتخابات لدى الحركة، تجديد الإدارة ينطلق من هذه النتائج، وليس انطلاقاً من تشكيل إدارة جديدة، فطوال الوقت كانت هناك ادارة، والآن هناك تغيرات في الشخوص والمواقع فحسب!!
هل تغامر دولة الكيان بالدخول الى قطاع غزة..الإمكانية قائمة!
09 أكتوبر 2023