في الوقت الذي يواجه الشعب الفلسطيني هجمة شرسة لتصفية قضيته الوطنية ومشروعه الوطني، ليس من جانب العدو الرئيس لهذا الشعب، بل ومن خلفه كل أصدقائه الداعمين والمساندين له عبر العالم، وفي طليعتهم الإدارة الأميركية الجديدة بزعامة دونالد ترامب، لا يجد هذا الشعب من قيادته سوى الجحود، واستبداد وتغول حكم الفرد المطلق، بأذرعه الاستخبارية وقوى قمعه الأمنية العاملة تحت ضغط التنسيق الأمني مع العدو الاحتلالي، بموجب اتفاقيات أوسلو التي تحولت مع الوقت إلى ملهاة تراجيدية، ما فتئت توجه الطعنة وراء الأخرى إلى ظهر الشعب وقضيته الوطنية، وإلى نوع من الاستثمارات المربحة لدى السلطات السياسية والأمنية التي تشكلت كسلطة غير سيادية، في فلسطين غير المحررة في كامل نطاقها التاريخي - الجغرافي.
لقد تمّ إهمال المشروع الوطني، من جانب بعض من يفترض بهم حمايته ودعمه والدفاع عنه، في مواجهة كل من أراد ويريد التفريط أو الانقلاب عليه ثانية، بعد الانقلاب الأول عليه فعلياً قبل عقد السنين العجاف، وذلك لمصلحة العدو. في وقت نجد فيه أن المشروع الإسلاموي النقيض، «يتقدم» على حساب المشروع الوطني الذي تمّ التعاطي معه باستعلاء وعنجهية، على الرغم من كل معطيات صراع تغيرت ملامحه عما كانت طوال سنوات الكفاح الأولى، أيام كان النضال الوطني يخاض عبر مناضلين أشداء متمرسين في مهامهم الكفاحية، وليس عبر موظفين يقف لهم سيف السلطة بالمرصاد، في حال «انحرافهم» قيد أنملة عن الخط الذي ترسمه السلطة لموظفيها، وفي هذه الحالة لم يعد أمام الموظفين سوى الخضوع من دون نقاش، وإلا فالعزل وقطع الأرزاق من قطع الأعناق! ما وصلت إليه الحال الفلسطينية بفعل الاستبداد، بات يستدعي وقفة حاسمة في مواجهة كامل منغصات الخروج على القانون الدستوري، وعدم التقيد بمحدداته وقيوده المانعة وأطره الناظمة، وقد بات التنسيق الأمني مع العدو، يصيب المؤسسات الوطنية بأعطاب لا حدود لها، وصلت إلى حد إبلاغ نواب من كتلة فتح البرلمانية، بمنع إصدار تصاريح لهم من جانب الاحتلال الإسرائيلي لأسباب أمنية، وذلك بناء على طلب رسمي من الطرف الفلسطيني، ومن جهات عليا فيه، من دون أن يكون لدى الاحتلال أي موانع أمنية لاستمرار إصدار هذه التصاريح التي تمكن النواب من التنقل بين شقي الوطن، وذلك وفق ما جاء في تصريح للنواب المعنيين بالأمر.
بالإضافة إلى هذا السلوك المشين، هناك ممارسات قمعية وإرهابية تقوم بها أجهزة أمن السلطة ضد كل معارضة ضمن صفوف كوادر ومناضلي حركة فتح، ليتضح أنه وفي أعقاب المؤتمر السابع، أريد إنجاز تحويل الحركة إلى منظمة شمولية مغلقة، مع الخضوع لأمر واقع اقتسام تركة النظام السياسي الفلسطيني مع حركة «حماس»، وتحويله إلى نظام شمولي في الضفة وظلامي في غزة.
كل هذا لا يجعل المشروع الوطني بخير، وبالتالي لا يجعل من القوى المفترض أنها صاحبة المصلحة الأكيدة في الحفاظ عليه، والحرص على إنجازه، تتمكن من أن تقوى على مواجهة أهداف تشكيلة الجبهات المعادية بمشاريعها المختلفة؛ من جبهة العدو الاستيطاني الاحتلالي والإحلالي، إلى جبهة المتآمرين على قضية شعب ووطن من أنظمة الاستبداد السياسية والطائفية، وصولاً إلى المشروع أو المشاريع الأيديولوجية الإسلاموية «الداعشية» منها والظلامية، وهي تقف بالمرصاد لوطنية شعب، لا تعبأ كثيراً ولا قليلاً بقضيته وهويته، وكان آخر قراراتها الهمايونية الخاضعة لإسلاموية متشددة، قرارها الأخير بإلغاء إجازة يوم المرأة، بما يعنيه من إلغاء لدورها في الحياة العامة، تأكيداً لتديين وإظلام ودعشنة السياسة لدى إسلامويي بلادنا، بكل ما يعنيه هذا التديين من تعمّد خسارة قضايا شعوبنا وهويتها الوطنية، امتداداً من إثارة نعرات الفتنة في مخيمات لبنان، بدءاً مما حصل لمخيم نهر البارد من قبل، وما يخطط لأن يجرى لعين الحلوة الآن، على أيدي الظلاميين الإسلامويين وداعميهم. فهل من صحوة قبل فوات الأوان لدى رواد المشروع الوطني؟
عن الحياة اللندنية