عصفورية "الميادين" تُخوّن عرفات وتُصاب بلعنة القطط في شباط!

imgid209660.jpg
حجم الخط

 

أقر وأعترف أنني سارقة مثل جدتي، وقد أدركت بعد أن اختطف المستوطنون أرضها، التي كانت تفلحها بيديها ورموش عينيها تحت عين القمر، أن المذياع كان أخطر الأعداء في حرب فلسطين، ولذلك أقسمت أمام قبر عمها الشهيد، الذي لا قبر له سوى السماء، أن تسترد سلال التفاح، وحبات العرق، ودمعات المطر، ومواويل القطاف، وتترك المذياع للغرباء كخديعة حرب، وهي تردد: غشنا ابن الحرام، قال لنا إن الجيش العراقي توغل واللقطاء فروا، فصدقنا غشه، ومن غشنا ليس منا، يا ستي، يغور الراديو ويغوروا أهله….. وإلخ مما يحبه قلبك من شتائم الفلاحة التي تقدح الشمس جبهتها لتضيء بها سدرة الشهداء وغضبة المنتهى.
لم تتوان الجدة، عن التسلل إلى أرضها ليلا حين ينام اللصوص، لتعهد جنتها الصغيرة بالقبلات السرية وتضم ذكرياتها، وتفاحها الناضج في صرة الثوب الفلسطيني، فتسرق من حقلها المسروق شجرة حواء المحرمة، قبل أن يفطن المستوطنون إليها، فيتربصوا بها عند (راس الطلعة) خلف بيارة الآلهة، ولأن الأرض تعرف خبطة أقدامها، والريح اعتادت أن تداعب ثوبها وتشده من ظهر الغواية دون أن تقده، ولأن الليل يحفظ أسرار جدتي منذ عشق خبيء، تخلصت من كمين اللصوص، ويا للمفارقة، سقط التفاح في الطريق، وتناثرت النجوم من علٍ، ولم ينج سوى المذياع! كأن الخديعة هي الإرث الوحيد أو الشاهد الأخير في محكمة صماء!

الغراب دليل سياحي على المذبحة

أيهما أكثر غدرا في الإعلام: أن تتنازل عن الحقيقة أم أن تؤمن بالخديعة؟ أليست الحقيقة من كماليات التاريخ، الذي لم تعد تبهره معاييرها ولا خباياها، تماما كالإعلام الذي يتفنن بإعادة إنتاجها، لصناعة خدائع أكثر إبهارا من القيامة، فهل ستحتاج بعد هذا كله إلى اليوم الآخِر؟!
ويا خسارتك يا أحمد منصور، أصدقك أم أكذب «شاهد على العصر»؟ فرغم أدائك المعهود، الذي أتحيز إليه، لم تكن أنت في آخر حلقاتك مع جوني عبده، رئيس المخابرات اللبنانية الأسبق، في ما يتعلق بأسئلتك عن مذبحة «صبرا وشاتيلا»، التي تخليت فيها عن النفس التحقيقي الحازم، والطويل، مكتفيا بالأسلوب النقلي أو السردي، متجاهلا وقاحة التنكر للمجزرة، وتحميل شارون وحده مسؤوليتها، ورفض جوني أية إساءة لحبيقة، موافقا على اعتباره آلة تحكم عقلي بلا عاطفة، رافضا التعاطي مع آليته كقاتل!
بدا الأمر كأنه يدلي بشهادته في محكمة صماء، أو كأنه دليل سياحي على طريقة الغراب، الذي يدل القتلة على مكمن طمر الجريمة، ولهذا صدق الشاعر حين قال: ومن يكن الغراب له دليلا / يمر به على جيف الكلاب!
تذكر إذن حكمة أجدادك القدماء عن زلة العالم، التي يضرب بها الطبل، لما تقارن بين منصور مع أمين الجميل في شهادته على العصر، وبين منصور مع «عبده»، وتأكد أن حيرتك بين الشاهدين هي ذاتها يقينك من الجريمة، التي تقفز بين خطين إعلاميين متوازيين، أحدهما محاكماتي يقاضي المجرم، والآخر ذاكراتي يستعيد الجريـمة على طـريقة «حـدث في مـثل هذا اليـوم»!
قبل سنوات وثقنا لهذه المذبحة على لسان ضحايا ناجين، وجواسيس وجنود اسرائيليين، هنا على صفحات «القدس العربي»، وكنا نأمل أن يتم جمع شهاداتهم في كتاب، لولا تراجع بعض أهم شهود العيان، وخوفهم من الملاحقة أو التصفية، أو دفع الثمن من جديد، كأن لعنة المذبحة أطول عمرا من ذاكرتها… ويلاهْ!!

العصفورية و«الميادين»

يا جماعة «الميادين»: شو يا عمّي؟ إنْ سَلِمْتُمْ من الأسد فلا تطمعوا بصيده، وهاكم أخو الجهالة فاسألوه: هل وجد غير شقاوته لينعم فيها، وغير يقينه ليهلك به؟
مشكلة هذه القناة أنها لا تخاطب عقل المشاهد، بقدر ما تُحَكْحِك عاطفته، وهنا يكمن خطرها، بممارسة رياضة شد «الزمبركات» في البلعوم ودوزنة العضلات في مجرى الدمع، أما المسائل العقلية فمن المحرمات، حتى كأنها لا تمنح جنسيتها الإعلامية سوى لمواطني العصفورية القاصرين ذهنيا أو الذين يعانون من تلبك وجداني، أو شح عاطفي، لأن سد الفراغ الوطني لا يعني إشغال الأمم بتسال وطنية، فكلاهما يثبط الهمم ويشتت الوعي، ويسطح الانتماء، ويسخف الحماس، خاصة لما تعمد القناة إلى البرامج الوثائقية، وتحديدا سلسلة «إميل لحود / من الرئاسة وحتى القرار 1559»، والتي تناولت قمة بيروت العربية في نهاية شهر آذار/مارس بعد تحرير الجنوب، وتسلم الرئيس اللبناني لحود فيها مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز/ الراحل، للسلام، بحيث تكشف الحلقة عن صفقة عربية مشتركة تتنازل بعض الدول العربية فيها عن حق العودة الفلسطيني….. وما خفي كان أعظم!

«الميادين» ولعنة القطط

كأنك تشاهد عرضا مخبولا لقطط الشوارع، لا تدري هل هي تتصارع في ما بينها أم تمارس صلواتها المقدسة بالمبارزة والمغامزة، وهي تتلقى تصريحات إميل لحود بابتسامة منتشية، وصدر مفتوح، وشوارب منتوفة وحواحب محفوفة… في ميمعتين: 
الأولى، تحكم بعض القادة العرب بمصير الشعب الفلسطيني، ومحاولة إخضاعه لتبعيتهم المخزية للاحتلال والأمريكان، وهو ما يحيلك إلى لقاء حديث لنتنياهو مع أحد مراسلات القنوات الأمريكية، التي سألته عن علاقة دولة الاحتلال بالسعودية، فلما رفض أن يجيب، قالت له: لم أقطع كل تلك المسافة لكي تمتنع عن البوح»… وبتلكؤ مصطنع سرعان ما تبدد، نفخ شلاطيفه وبق البحصة: «بيننا وبين السعودية علاقات مفتوحة على جميع المستويات»… معرجا على التقاء المصالح ضد إيران، وإلحق أيها الفلسطيني، يريدون أن يحاربوا إيران بعدوك، فهل تتنازل عن أعدائك لهم؟ أم تحمي أعداءهم منهم؟! 
أما المعضلة الثانية، فتكشف عن الهدف الحقيقي وراء رفض لحود للمبادرة، وهو التوطين، الذي يعني إقامة سلام مع اسرائيل بتحويل لبنان إلى وطن بديل، فإن سلمنا، جدلا، أن هذا الرفض يخدم حق العودة، كيف نقبل احتقاره للشهيد ياسر عرفات، حين تصور مشهدا افتراضيا (لأبو عمار)، يظهر فيه عبر الأقمار الصناعية مباشرة من مركزه المحاصر في رام الله، ووراءه نجمة داود، مكررا هذا التصور أكثر من مرة باستخفاف واضح، وتخوين علني للشهيد، متباهيا بحظر ظهوره الإعلامي في القمة، ليمنع تواطأه ضد خروج شعبه من لبنان، فهل لنا أن نسأل لحود، إن كان سيسمح بظهور عرفات لو تضمنت المبادرة بندا بإلقاء الفلسطينيين في البحر وتحرير لبنان من شعب المخيمات؟ ربما كان لحود نفسه حينها سيوزع النجمة السداسية على الدول العربية، مجانا في قمته! 
لن نطالب «الميادين» بالاعتذار للشهيد ولا للشعب الفلسطيني عن هذا التخوين السافر والمتعمد مع سبق الإصرار، لأننا نعلم تماما أن القضية الفلسطينية لا تهم إيران وعملاءها، ولا يمكن لمثل هؤلاء أن يؤتمنوا على كرامة الشهداء فما بالك بالأحياء؟! لو أن الشعب الفلسطيني يسأل «الميادين» سؤالا واحدا دون أن ينتظر الإجابة: هل تتخلى إيران عن المقاومة مقابل صفقة سياسية رابحة مع اسرائيل ؟ انتظروا فقط، وسترون أن المقاومة ليست عقيدة عند هؤلاء، إنما أداة، أو ورقة ضغط، أو مصلحة… والمصالح في الحروب لا تخون سوى الأوفياء إليها!

عن القدس العربي